أهمية التصريح للحج: ضوابط تنظيمية ورحمة إلهية
الحمد لله الذي شرّع لنا أيسر الشرائع وأفضلها، ورفع عنا الحرج في ديننا، فلم يكلفنا إلا ما تطيق نفوسنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قدر لكل عبادة قدرها، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، حج مرة واحدة، قال فيها: ((لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه))، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الالتزام بتعليمات الحج: فريضة ورحمة
فاتقوا الله، فإن تقوى الله ما سكنت قلبًا إلا أصلحته، وما صاحبت عملًا إلا رفعته، ولا تحلت بها نفس إلا أنجتها. يقول الله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197]. يجب علينا الالتزام بتعليمات الحج، لما فيها من تنظيم وراحة للحجاج، وذلك امتثالًا لأمر الله ورسوله.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال: إن الله عز وجل قد فرض عليكم الحج، فقال رجل: في كل عام؟ فسكت عنه حتى أعاده ثلاثًا، فقال: لو قلتُ: نعم، لوجبت، ولو وجبت ما قمتم بها، ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بالشيء فخذوا به ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه))؛ [رواه النسائي واللفظ له، ورواه البخاري ومسلم مختصرًا]. الشرع أمرنا بالاستطاعة في الفعل، والاجتناب التام للنواهي الشرعية، والوقوف عند توجيهات الله ورسوله، وعدم تجاوزها.
الاستطاعة وضرورة التصريح
من رحمة الله بهذه الأمة أن فريضة الحج مرة في العمر، وامتدادًا لهذه الرحمة جعل الاستطاعة شرطًا لوجوب الحج؛ فقال سبحانه: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97]. بينما كانت الاستطاعة في السابق متاحة لنسبة قليلة من المسلمين، فقد تطورت وسائل النقل والمواصلات في هذا العصر، مما أدى إلى تدفق أعداد كبيرة من الحجاج، مما نتج عنه ازدحام شديد قد يؤدي إلى حوادث وفيات وإصابات. لذلك، وضعت ضوابط لتنظيم الحج، وتحديد أعداد الحجاج من كل بلد، حفاظًا على سلامتهم وسلامة المشاعر المقدسة. فالمشاعر المقدسة لها طاقة استيعابية محدودة، كما أن منى ومزدلفة وعرفات والمسجد الحرام تمتلئ بالكامل خلال أيام الحج.
طاعة ولي الأمر وأهمية التصريح
عندما وضعت الجهات المختصة أنظمةً وضوابط للحج، فإنما هي لمصلحة الحجاج عمومًا، والمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة في الشريعة الإسلامية. ومن أهم هذه الضوابط، ضرورة الحصول على تصريح للحج من الجهات المختصة، وفق الأنظمة المرعية. فالالتزام بهذا الضابط يعني الالتزام بالضوابط الأخرى. وطاعة ولاة الأمر في هذا واجبة، كما قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعصِ الأمير فقد عصاني))؛ [رواه البخاري ومسلم].
الحج بدون تصريح يضرّ أطرافًا عديدة: يؤذي الحجاج، ويُعيق الجهات المُقدّمة للخدمات، ويُشغل الجهات الأمنية والصحية.
الأجر والثواب لمن لم يتمكن من الحج
يقول الله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 189]. إن فضل الله كبير، وكرمه جزيل، فهو يجزي على النية الصادقة، ويثيب صاحبها أجر العمل ولو لم يعمله، فكيف إذا حال دونه عذر شرعي؟ قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بيَّن ذلك، فمن همَّ بحسنة فلم يعملها، كتبها الله له عنده حسنةً كاملةً، فإن هو همَّ بها فعملها، كتبها الله له عنده عشر حسنات، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها، كتبها الله له عنده حسنةً كاملةً، فإن هو همَّ بها فعملها، كتبها الله له سيئةً واحدةً))؛ [رواه البخاري ومسلم]. فأبشروا يا من نويتم الحج ولم يتيسر لكم، وامتثلتم أمر ولي الأمر، ولم تخالفوا الأنظمة، فإن لكم أجر الحج وثوابه بإذن الله.
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعنا بما فيه من آيات وحكمة. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، إنه كان غفارًا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اترك تعليقاً