إدارة الوقت بكفاءة: التغلب على زيف الانشغال وتحقيق الإنجاز
في زمنٍ سريع الخطى، يكثر الحديث عن "الانشغال"، لكن هل هذا الانشغال حقيقيٌّ أم مجرد واجهةٍ نخفي خلفها تقصيرنا؟ يُطرح هذا السؤال في هذا المقال الذي يستكشف ظاهرة "زيف الانشغال" وكيفية التغلب عليها لتحقيق الإنجاز الحقيقي.
زيف الانشغال: درعٌ يحمي من تبكيت الضمير
لاحظ وجوه من حولك، ملامحهم المرهقة، نبراتهم التي تُشي بأنهم "مشغولون جدًا". كلمات مثل "ما لحقت"، "مضغوط جدًا"، "ما قدرت أكمل" باتت تُردد بشكلٍ روتيني. لكن، هل هذا الانشغال يستحق كل هذا التعب؟ أم أنه مجرد "تهرّب" من مواجهة واجباتنا الحقيقية؟
يُمكن القول إن "الانشغال" أصبح درعًا يحمي الكثيرين من تبكيت الضمير. فالطالب الذي يُؤجل بناء ملكته العلمية، ويُغرق نفسه في مراجعاتٍ عشوائية وبثوثٍ متفرقة، يردد "أنا مشغول"، بينما هو في الحقيقة يهرب من الانضباط الحقيقي واستثمار وقته بشكلٍ مثمر. كذلك الداعية الذي يُركز على الظهور الإعلامي أكثر من الكتابة والبحث، مُبررًا ذلك بـ"عدم وجود وقت"، متجاهلًا أن الكتابة تحتاج إلى عُزلةٍ ومكابدةٍ وتجريدٍ عن الضجيج.
نلجأ أحيانًا إلى "أعمال جانبية" تُمنحنا شعورًا مؤقتًا بالإنجاز، لكننا نعلم في قرارة أنفسنا أن هذا ليس هو الطريق الصحيح. فكم من شخصٍ يُمضي يومه بين مواعيد وملفات، لكنه يتردد عند سؤاله عن مشروعه الأساسي في الحياة؟ يختفي صوته، وتتوارى الإجابة خلف أعذارٍ مُزخرفة.
مجتمعات مشغولة بالتفاهات: إعادة التأهيل والتثقيف
باتت مجتمعاتنا مشغولة بمتابعة تفاصيل حياة الآخرين، مُهملةً واجباتها الحقيقية. انشغالٌ يُبعدنا عن أنفسنا وعن مسؤولياتنا. متى سنُنجز واجباتنا؟ هذا سؤالٌ يُحتم علينا إعادة تأهيلٍ وتثقيفٍ مجتمعيّ، للتغلب على دائرة التفاهة والخسارة التي نعيشها.
"زيف الانشغال" هو الواجهة الاجتماعية الجديدة للمُتحايل على الوقت، من لا يريد أن يُتّهم بالكسل، لكنه لا يرغب في دفع ثمن التقدم الحقيقي. تُصبح "الانشغالات" ذريعةً لدفن الأسئلة المُؤلمة:
- أين أنا من واجباتي تجاه نفسي؟
- ما موقعي من مسؤولياتي تجاه أسرتي؟
- وما دوري تجاه مجتمعي وأمتي؟
نُخادع أنفسنا بأننا مجتهدون، لكن عند وزن يومنا في ميزان الآخرة، لن نجد ما يُرجى. العمل الحقيقي ليس ما يُسجّل في جداول المواعيد، بل ما يتراكم في صحيفة الأعمال الصالحة، وفي عمق الأثر، وفي تجريد القلب لله.
هل قضى الموتى أشغالهم؟
سؤالٌ يُكشف زيف دعوى "الانشغال": منذ آدم عليه السلام، هل قضى الذين ماتوا أشغالهم؟ الجواب لا! فهل هذا يعني أن الأشغال عذرٌ مقبول؟ كلا!
الطريق للإنجاز هو الاصطفاء بحسب الأولويات، فليس من الممكن إتمام كل شيء. يجب على كل من يرغب في الإنجاز أن يراعي ما يلي:
- التوكل على الله والاستعانة به.
- التحديد الصحيح للأهداف.
- الاستعانة بجدولة المهام وترتيب الأولويات.
- المبادرة وعدم التأجيل.
لا تتخذ "الانشغال" عذرًا، فالمهم هو أن تكون مشغولاً بما يستحق انشغالك. انظر حولك، سترى الكثيرين مشغولين بتفاهات لا تُثمر شيئًا. اجتنب هذا المسار، فالحساب عسير. الناس ليسوا مشغولين بإنقاذ أنفسهم، بل مشغولين عن أنفسهم.
الفرق شاسع بين من هو مشغول بالله وبما يُرضيه، ومن هو مشغول عن الله. فإذا اعتذرت عن واجبٍ بأنك مشغول، فغالبًا ما لا عذر لك.
اترك تعليقاً