الأخوة في الإسلام: حقوق وواجبات لبناء مجتمع متراحم**

الأخوة في الدين هي الرابطة التي تجمع قلوب المسلمين، وهي من أعظم النعم التي أنعم الله بها علينا. إنها ليست مجرد شعار، بل هي مجموعة من الحقوق والواجبات التي يجب أن نراعيها لننعم بمجتمع متماسك يسوده الحب والتآخي. في هذا المقال، سنستعرض أهم هذه الحقوق والواجبات، لنذكر أنفسنا وإخواننا بأهمية هذه العلاقة العظيمة.

أهمية الأخوة في الإسلام

الأخوة في الإسلام ليست مجرد علاقة اجتماعية عابرة، بل هي نبض حياة الأمة، ومقياس الرحمة في المجتمع. وقد امتن الله تعالى على الصحابة بهذه النعمة العظيمة، فقال: {فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}.

تأتي النصوص الشرعية لتؤكد على أهمية الألفة والمحبة بين المسلمين، الذين تجمعهم كلمة التوحيد. ففي زمن كثرت فيه الأحقاد والضغائن، وطغت المادية، يصبح التذكير بحقوق الأخوة ضرورة ملحة.

أنواع حقوق الأخوة

يمكن تقسيم حقوق الأخوة إلى نوعين رئيسيين:

  • الحقوق العامة: وهي الحقوق التي تشمل جميع المسلمين، مثل رد السلام، وتشميت العاطس، واتباع الجنائز.
  • الحقوق الخاصة: وهي الحقوق التي تكون بين الإخوة المقربين، وهي أعظم وأجل، لأنها تكون للخُلَّص وللصفوة المختارة.

الحقوق الأربعة الأساسية للأخوة

تنتظم حقوق الأخوة الخاصة إجمالًا في أربعة حقوق أساسية: الحق في المال، والحق في البدن، والحق في اللسان، والحق في القلب.

1. حق الأخ في مالك

وهو على مراتب:

  • أعلاها: الإيثار، وهو أن تفضل أخاك على نفسك، حتى لو كنت في حاجة إلى المال. قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}.
  • أوسطها: المشاركة، وهو أن تعامل أخاك كأنك نفسك، وترضى بمشاركته مالك.
  • أدناها: المواساة، وهو أن تساعد أخاك إذا كان في حاجة إلى المال، دون أن تنتظر منه أن يسألك.

أمثلة من السلف:

  • جاء رجل إلى أبي هريرة، رضي الله عنه، يريد أن يؤاخيه، فسأله أبو هريرة: "أتدري ما حق الإخاء؟" قال: "عرِّفني". قال: "لا تكون بدرهمك ودينارك أحق مني". قال: "لم أبلغ هذه المنزلة بعد". قال: "فاذهب عني".
  • قال علي بن الحسين: "الرجل هل يدخل أحدكم يده في كم أخيه أو كيسه، فيأخذ منه ما يريد من غير إذن؟" قالوا: "لا". قال: "فلستم بإخوان".

2. حق الأخ في بدنك (نفسك)

وهو قضاء حاجات أخيك والقيام بها قبل السؤال، وذلك حسب القدرة. وهي على نفس مراتب المواساة بالمال.

مثال:

  • روي أن ابن أبي شبرمة قضى لبعض إخوانه حاجة كبيرة، فجاءه الرجل بهدية جليلة، فقال: "ما هذا؟" فقال: "ما أسديت إلي". فقال: "خذ مالك -عافاك الله- إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها؛ فتوضأ للصلاة، وكبّر عليه أربع تكبيرات وعده في الموتى".

3. حق الأخ في لسانك

وهو أن تصمت عن كل ما يكره أخوك، فلا تسخر منه، ولا تلمزه، ولا تكذبه، ولا تشتمه، ولا تلقبه بما يكره. وأن تتكلم بما يسره ويفرحه.

من أهم مظاهر هذا الحق: الدعاء له بظهر الغيب، وإخباره بذلك ليفرح.

4. حق الأخ في قلبك

وهو يشمل:

  • إحسان الظن: أن تحمل تصرفات أخيك على أحسن المحامل.
  • العفو عن الزلات والهفوات: أن تتجاوز عن أخطاء أخيك، ولا تحمل في قلبك عليه.
  • الوفاء له إلى الموت: أن تبقى مخلصًا لأخيك، حتى بعد موته.
  • الوفاء بعد الموت: أن تعتني بأولاده وأصدقائه بعد موته.

مثال عظيم:

  • قال ابن القيم عن ابن تيمية: "جئتُ يومًا مبشِّرًا له بموتِ أكبرِ أعدائه وأشدِّهم عداوةً وأذًى له، فنهَرَني وتنكَّر لي واسترجع، ثمّ قام من فورِه إلى بيت أهله فعزّاهم، وقال: أنا لكم مكانه، ولا يكون لكم أمرٌ تحتاجون فيه إلى مساعدةٍ إلّا وساعدتُكم فيه. فَسُرُّوا به، ودَعَوا له، وعظّموا هذه الحالَ منه".

خاتمة

الأخوة في الإسلام كنز عظيم، يجب أن نحافظ عليه ونرعاه. فلنحرص على أداء حقوق إخواننا، لنسعد في الدنيا والآخرة، ولنبني مجتمعًا متراحمًا يسوده الحب والوئام.

تأمل ما سبق وانظر لحالنا، حيث صارت المحبة والأخوَّة على الدرهم والدينار والجاه وعدد المتابِعين، وهكذا الغربة.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المصدر: موقع طريق الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *