مقدمة:
الحج، الركن الخامس من أركان الإسلام، فريضة عظيمة على كل مسلم مستطيع. لكن ماذا عن أولئك الذين حالت بينهم الظروف الصحية أو المالية وبين أداء هذا الركن؟ هنا يبرز مفهوم الإنابة في الحج، وهو موضوع هام يستحق التفصيل والتوضيح.
فضل الحج ومكانته في الإسلام:
لا يخفى على مسلم فضل الحج وعظيم أجره. فهو رحلة تطهير للذنوب، ومغفرة للزلات، وفرصة للتقرب إلى الله تعالى. وقد وردت في فضله أحاديث نبوية كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
مشروعية الإنابة في الحج: نظرة فقهية:
الإنابة في الحج جائزة شرعًا في حالات معينة، وتخضع لضوابط وشروط محددة، وذلك استنادًا إلى السنة النبوية وأقوال العلماء.
- الإنابة في حج الفريضة: يجوز الإنابة في حج الفريضة للشخص العاجز عن أدائه بنفسه، سواء كان عجزه بسبب مرض مزمن، أو كبر سن، أو أي عذر شرعي آخر يمنعه من السفر وأداء المناسك. والدليل على ذلك ما ورد في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة قالت: "يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركتْ أبي شيخًا كبيرًا، لا يَثْبُت على الراحلة، أفأحج عنه؟"، قال: «نعم».
- الإنابة في حج النذر: إذا نذر شخص أن يحج ثم عجز عن الوفاء بنذره، جاز له أن ينيب عنه من يحج عنه.
- الإنابة في حج التطوع: اختلف العلماء في جواز الإنابة في حج التطوع. والراجح أنه لا يجوز للشخص القادر على الحج بنفسه أن ينيب غيره في حج التطوع، لأن شرط الاستطاعة متحقق فيه.
أحوال الناس مع الحج: بين الإفراط والتفريط:
- التفريط: هناك من يملكون المال والصحة، ومع ذلك يؤخرون حج الفريضة، وهذا تقصير عظيم وخطر جسيم.
- الإفراط: هناك من يحجون كل عام ويتكرر منهم الحج تطوعًا، في حين أن هناك من لم يحج الفريضة بعد. الأفضل في هذه الحالة التوسعة على الآخرين بإفساح المجال لهم أو التبرع بقيمة الحج لمن لم يحج.
حكم أخذ المال مقابل الحج عن الغير:
- النية الصالحة: إذا كان الشخص يأخذ المال ليحج عن غيره بنية صالحة، وهي نفع أخيه المسلم وقضاء فريضته، فلا حرج في ذلك.
- التكسب المادي: أما إذا كان القصد من الحج هو التكسب المادي فقط، وتحويل العبادة إلى تجارة، فهذا أمر غير جائز.
من أحكام الوكالة في الحج:
- يجب أن يكون الوكيل مسلمًا عاقلًا بالغًا.
- يجب أن يكون الوكيل قد حج عن نفسه أولًا.
- يجب على الوكيل أن ينوي الحج عن الموكل عند الإحرام.
- لا يجوز للوكيل أن ينيب غيره إلا بإذن الموكل.
- المال الذي يدفعه الموكل للوكيل يكون كله للوكيل، إلا إذا اشترط الموكل أن يرد له ما بقي من المال.
مفهوم خاطئ: الحج عن الوالدين المتوفين بعد أداء الفريضة:
يشيع بين الناس اعتقاد أن من حق الوالدين المتوفين على أولادهم أن يحجوا عنهم، حتى لو كانوا قد أدوا الفريضة وحجوا تطوعًا. هذا الاعتقاد ليس عليه دليل شرعي، والأولى في هذه الحالة التبرع بقيمة الحج لمن لم يحج أو للفقراء والمساكين ونية الأجر للوالدين.
خاتمة:
الحج عبادة عظيمة، وركن من أركان الإسلام. يجب على المسلم أن يسعى لأدائه بنفسه إن استطاع، وإذا عجز جاز له أن ينيب عنه غيره، مع مراعاة الضوابط والشروط الشرعية. ونسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعًا لأداء هذه الفريضة على الوجه الذي يرضيه.
اترك تعليقاً