الاستشراق والقرآنيون: حقيقة التناقض بين نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية

الاستشراق والقرآنيون: حقيقة التناقض بين نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية

الاستشراق والقرآنيون: حقيقة التناقض بين نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية

ظهرت بعد جيل الصحابة الكرام، في القرن الثاني للهجرة، فرق ومذاهب متعددة، أدت إلى انقسام الأمة وتشتيت وحدتها، وغياب الفهم الصحيح لأحكام الدين. برزت حينها طوائف تنكر حجية السنة النبوية بشكل مطلق، وأخرى تنكر خبر الآحاد، داعيةً إلى الاعتماد على القرآن الكريم وحده. استندت هذه الطوائف على بعض الآيات القرآنية، وتحليلات عقلية، زاعمةً أن القرآن كلام الله الشامل والمفصل لكل شيء. وقد واجه الإمام الشافعي هذه الأفكار في كتابه "الأم" بحوار مفصل مع منكر للسنة، انتهى باستسلام الأخير وقبول الحق.

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الفئة بقوله: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه" [سنن أبي داود، برقم 4604، ص651. وسنن ابن ماجه، وجامع الترمذي، ومسند أحمد].

العلاقة بين "القرآنيين" والمستشرقين

توجد علاقة وثيقة بين ما يسمى بـ"القرآنيين" – وهم في الحقيقة بعيدون عن فهم القرآن الصحيح – وبين المستشرقين. يتشابهون في العديد من العقائد والتصورات، سبقهم إليها المعتزلة. وقد لعبت مجلة "المنار" لرشيد رضا دورًا في نشر بعض هذه الشبه والأباطيل، مثل مقالة الدكتور توفيق صدقي بعنوان "الإسلام هو القرآن وحده".

أباطيل "القرآنيين" المستمدة من الاستشراق:

تعتمد حجج "القرآنيين" على تفسيرات خاطئة لبعض الآيات، منها:

  • تفسير آيات الشمول: يستندون إلى آيات مثل: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: 38]، و ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل: 89]، للدلالة على أن القرآن يحتوي على جميع أحكام الدين تفصيلًا، دون حاجة إلى السنة النبوية. لكن هذا التفسير يغفل أن القرآن الكريم يحتوي على أحكام عامة وقواعد كلية، ترك تفصيلها وتوضيحها للرسول صلى الله عليه وسلم. كما أن آيات كثيرة تحث على اتباع النبي وطاعته، مثل: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 44]. ويوضح حديث عمران بن حصين – الذي رواه الخطيب في الكفاية، ص15 – حاجة الأمة إلى السنة النبوية في تفصيل كثير من أحكام العبادات.

  • تفسير آية الحفظ: يفسرون آية ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، على أنها دليل على حفظ الله للقرآن فقط، دون السنة النبوية. يتوافق هذا التفسير مع ادعاءات بعض المستشرقين الذين يشككون في صحة السنة وسلامتها من التحريف. لكن هذا التأويل ضعيف، فـ"الذكر" يشمل الدين الإسلامي كاملاً، بما في ذلك السنة النبوية. كما أن آية ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]، تدل على أهمية علماء الأمة في حفظ الدين وتوضيحه. وكذلك آية: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: 44]، توضح دور الرسول صلى الله عليه وسلم في بيان أحكام الدين. فالسنة توضح الأحكام المجملة في القرآن، وتساهم في وحدة الأمة وترابطها.

  • الشبهة المتعلقة بعدم تدوين السنة: يُجادل "القرآنيون" بأن عدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتدوين السنة يدل على عدم حجيتها. كما يستخدمون آيات مثل: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: 36]، للدلالة على عدم صحة الاحتجاج بالسنة لعدم كتابتها وحفظها كتابةً مثل القرآن. ويستشهدون بأقوال وأفعال بعض الصحابة في محو بعض ما كُتب من السنة. لكن هذه الشبهة استشراقية، فالسنة وثقت بطرق متعددة من خلال الرواية والتواتر، كما أن الحديث عن عدم تدوينها في بدايات الإسلام لا ينفي حجيتها، بل يُبرر بأسبابٍ تاريخيةٍ مختلفة. كما أن ادعاءات المستشرقين مثل شاخت بأن أقدم الأحاديث لا ترجع إلا إلى عام 100 هجرية، ادعاءات باطلة تم دحضها.

تأثير التغريب والتشرق على "القرآنيين"

إنكار السنة النبوية لم يقتصر على المعتزلة والمستشرقين، بل كان عقيدة راسخة لدى الخوارج، كما ذكر ابن تيمية. و"القرآنيون" غالباً ما يتأثرون بالتغريب أو التشرق، أو بالمراكز الاستعمارية والاستشراقية، مما يؤثر على تفكيرهم العقدي والثقافي والاقتصادي والسياسي. هدفهم في النهاية هو تمزيق وحدة الأمة وإثارة الشكوك حول السنة النبوية، وهو مصدرٌ أساسيٌّ لدينهم.

[بعض المراجع تمت الإشارة إليها في النص الأصلي، ويمكن إعادة إدراجها هنا بتنسيق Markdown مناسب.]

المصدر: شبكة الألوكة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *