التحرر من العبودية: كيف يقودك الدعاء إلى الحرية الحقيقية؟
الإيمان العميق بالله والمعرفة الحقيقية به هما أساس الاستغناء عن الشكوى للخلق. كلما ازداد علم العبد بربه، كلما توجه إليه وحده بالشكوى والدعاء، مستشعراً قربه وعلمه بحاله. وكما قال يعقوب عليه السلام: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُوا بَنِي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [سورة يوسف: آية ٨٦]. هذه الآية تجسد قمة التوكل واليقين بأن الله وحده هو الملجأ والملاذ.
قوة الدعاء: طريقك إلى الحرية
الإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله، مع الطمع في رحمته والافتقار إليه، هو مفتاح التحرر من قيود المخلوقين. عندما يرفع العبد يديه إلى السماء، متضرعاً لقضاء حاجاته ودفع ضروراته، فإنه يتحرر من رق المخلوقين ويسلك طريق العزة والكرامة. هذه العلاقة القوية بالله تسمو بالنفس وتزيد من قوة التوحيد، وترفع العبد درجات في مقام العبودية الحقة.
ابن تيمية: رؤية عميقة في العبودية والحرية
يقول ابن تيمية رحمه الله: "وكلما قوي طمع العبد في فضل الله ورحمته لقضاء حاجته ودفع ضرورته قويت عبوديته وحريته مما سواه". (مجموع الفتاوى ( ٥/١٨٢)). هذه الكلمات تلخص جوهر العلاقة بين العبودية لله والتحرر من كل ما سواه. فكلما ازداد تعلق القلب بالله، كلما تحرر من قيود الدنيا ومخاوفها.
الشكوى للمخلوقين: وهم النفع وواقع الضرر
الشكوى للمخلوقين ليست فقط مضيعة للوقت والجهد، بل هي أيضاً تضعف التوحيد والاعتصام بالله. فبدلاً من التوجه إلى من بيده ملكوت السماوات والأرض، يتوجه العبد إلى مخلوق مثله، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً.
ابن تيمية يحذر من الشكوى للمخلوقين
يوضح ابن تيمية رحمه الله خطورة هذا الأمر بقوله: "فإن المخلوقين إذا اشتكى إليهم الإنسان فضررهم أقرب من نفعهم والخالق إذا اشتكى إليه المخلوق وأنزل حاجته واستغفره من ذنوبه؛ أيّده وقواه وهداه وسد فاقته وأغناه وقربه وأحبّه واصطفاه … وهذا باب واسع قد كتبت فيه شيئا كثيرًا وعرفته علمًا وذوقًا وتجربة". (مجموع الفتاوى (٢٨/٤٠).
خلاصة القول:
- العلم بالله: هو أساس التوجه إليه وحده بالشكوى والدعاء.
- الدعاء والتضرع: هما مفتاح التحرر من رق المخلوقين.
- الشكوى للمخلوقين: تضعف التوحيد وتجلب الضرر.
- التوجه إلى الله: يجلب التأييد والقوة والهداية والغنى والقرب والمحبة.
فلنجعل الله ملجأنا وملاذنا، ولنرفع أكف الضراعة إليه وحده، لننال الحرية الحقيقية والسعادة الأبدية.
اترك تعليقاً