الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد:
مع اقتراب كل عام هجري جديد، يثار الجدل حول مشروعية التهنئة بهذه المناسبة. هل هي من الأمور المباحة التي تدخل السرور على المسلم، أم أنها تدخل في باب البدع التي لم ترد في الشرع؟ هذا المقال يسعى لتقديم نظرة شرعية مفصلة ومبسطة حول هذه المسألة، مع استعراض آراء العلماء المعاصرين والأدلة التي يستندون إليها.
التهنئة في الشريعة: بين المباح والممنوع
التهنئة في الإسلام مشروعة في الأمور المباحة التي تجلب السرور للمسلم، سواء كانت تجدد نعمة أو دفع مصيبة. أمثلة ذلك التهنئة بالزواج، المولود الجديد، النجاح في الدراسة أو العمل، وغيرها من المناسبات التي لا ترتبط بزمان معين. هذه التهنئة تدخل في باب الإباحة، بل قد تكون مستحبة إذا قصد بها إدخال السرور على قلب المسلم.
أما التهنئة المرتبطة بأزمان معينة كالأعياد، الأعوام، الأشهر، والأيام، فهي تحتاج إلى تفصيل وتوضيح:
- الأعياد (عيد الفطر والأضحى): التهنئة بهما ثابتة عن جمع من الصحابة ولا إشكال فيها.
- الأشهر (شهر رمضان): التهنئة بقدوم شهر رمضان لها أصل، والخلاف فيها مشهور بين العلماء.
- الأيام (يوم المولد النبوي، الإسراء والمعراج): التهنئة بهذه الأيام تعتبر من البدع لارتباطها بمناسبات دينية مبتدعة.
- الأعوام (العام الهجري الجديد): هذا هو موضوع نقاشنا، وسنتناول آراء العلماء فيه بالتفصيل.
التهنئة بالعام الهجري الجديد: آراء العلماء
لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة الكرام ولا عن السلف الصالح التهنئة بالعام الهجري الجديد، مع أن الداعي لذلك كان موجودًا في زمانهم. ومع ذلك، لما شاعت هذه العادة في الأزمنة المتأخرة، اختلف العلماء المعاصرون في حكمها على قولين:
القول الأول: الإباحة
يرى بعض العلماء إباحة التهنئة بالعام الهجري الجديد، باعتبارها من العادات وليست من الأمور التعبدية. من أبرز هؤلاء العلماء الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، الذي يرى أن التهنئة ليست مشروعة بمعنى أننا لا نأمر بها، ولكن إذا فعلها الناس فلا بأس، وينبغي أن يسأل المهنئ الله تعالى أن يكون العام عام خير وبركة. ويضيف الشيخ ابن عثيمين أنه إذا هنأك أحد فَرُدَّ عليه، ولا تبتدئ أحدًا بذلك.
القول الثاني: المنع المطلق
يرى بعض العلماء الآخرين منع التهنئة بالعام الهجري الجديد مطلقًا. من أبرز هؤلاء العلماء الشيخ صالح الفوزان حفظه الله، الذي يرى أنه لا أصل لهذه التهنئة، وأن التأريخ الهجري إنما جعل لتمييز العقود فقط، وليس لاتخاذه مناسبة للاحتفال والتهنئة. ويرى الشيخ الفوزان أن هذا يتدرج إلى البدع.
أدلة القول بالمنع وترجيحه
القول بالمنع للتهنئة بالعام الهجري الجديد يتأيد بعدة وجوه:
- التشبه بالأعياد: التهنئة بيوم معين يعود كل عام تلحق هذا اليوم بالأعياد، وقد نهينا أن يكون لنا عيد غير الفطر والأضحى.
- التشبه بغير المسلمين: التهنئة بالعام الهجري الجديد فيها تشبه باليهود والنصارى والمجوس، الذين يهنئون برأس السنة العبرية والميلادية والفارسية على التوالي.
- فتح الباب للبدع: جواز التهنئة بالعام الهجري الجديد يفتح الباب للتهنئة بمناسبات أخرى لم تكن معروفة في عهد الصحابة، مثل التهنئة بالعام الدراسي، يوم الاستقلال، واليوم الوطني.
- التوسع في المحدثات: القول بالجواز يؤدي إلى التوسع في هذه العادة، فتنتشر رسائل الجوال وبطاقات المعايدة والاحتفالات، وهذا كله من المحدثات التي لم تكن موجودة في عهد السلف.
- لا معنى للتهنئة: الأصل في التهنئة هو تجدد نعمة أو دفع نقمة، ولا توجد نعمة ظاهرة بانتهاء عام هجري، بل الأولى هو الاعتبار بذهاب الأعمار ونقص الآجال.
الخلاصة والتوصية
بناءً على ما سبق، فإن القول بالمنع للتهنئة بالعام الهجري الجديد هو الأولى والأحوط. وإذا بدأك أحد بالتهنئة، فالأولى نصحه وتعليمه، لأن رد التهنئة فيه نوع إقرار له.
نسأل الله تعالى أن يجعل عامنا الهجري الجديد عام خير وبركة، وأن يوفقنا فيه لما يحب ويرضى.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اترك تعليقاً