الحج: نداء الروح.. لا تؤجل تلبية النداء!

مقدمة: أركان الإسلام بين الأهمية والتأخير

الإسلام دين عظيم الأركان، زاخر بالواجبات والفرائض، السنن والمستحبات. وفي المقابل، يحذر من النواقض والمحرمات، البدع والمكروهات. المسلم الفطن هو الذي يميز بين هذه وتلك، يعرف ما يقدم وما يؤخر، وما يبدأ به وما يحرص عليه، وما هو الأولى بالاهتمام وما يجب التعجيل به.

الحج: الركن المنسي؟

قد يتهاون بعض المسلمين بركن عظيم من أركان الإسلام، ألا وهو الحج، ولا يعطونه حقه من الاهتمام. قد يرى البعض في الأمر سعة، ويعتذرون بأعذار واهية، مسوغين لأنفسهم تركه بأسباب يرونها مانعة، وهي في الواقع ليست كذلك لمن أخذ الأمر بجد وأعطاه ما يستحق.

الحج في القرآن والسنة: دليل الأهمية والفورية

قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]. وفي الحديث المتفق عليه: «بُنِيَ الإِسلامُ عَلَى خَمسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ وَصَومِ رَمَضَانَ».

الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، ولا يتم إسلام إلا بأدائه. ومع هذا، فإن من المسلمين من يبلغ الحلم ويجب عليه الحج، ثم تمضي عليه السنوات تلو السنوات وهو يؤجل ويتباطأ، حتى يضيق الأمر عليه بعد سعة، فيعيقه مرض أو يضعفه كبر، أو يفقد الاستطاعة المالية أو تتغير حاله.

قصة بناء البيت: دعوة إبراهيم الخالدة

لقد أسكن الله إبراهيم عليه السلام مكة، وأمره فبنى البيت هو وابنه إسماعيل، ثم أمره سبحانه بأن ينادي بالناس ليأتوا إلى البيت ويحجوه، ويطوفوا به ويطهرواوه من الأنجاس والأدناس، ويعظموه ويعظموا حرمات الله وشعائره، وأن يحققوا توحيده ويركعوا له ويسجدوا له دون سواه، وأن يجتنبوا الشرك والمعاصي وقول الزور وإرادة الإلحاد والظلم والإفساد.

قال جل وعلا: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 26 – 30].

الحج عبر التاريخ: شوق الأنبياء والصالحين

تحقيقاً لأمر الله، فقد حج هذا البيت الأنبياء، وقصده المسلمون الحنفاء، وانقطعت في المفاوز أعناق المطي إليه، وتحملت الركائب الركبان واهتزت بهم الركاب، وحفيت منهم الأقدام سعياً إليه، وجرت بالشوق إليه النفوس قبل الأقدام.

الحج: أمنية كل مسلم

إنه الحج، أمنية كل مسلم على وجه الأرض. أتى إليه الناس من كل ناحية من شرق الأرض وغربها، وقطعوا إلى البيت الحرام الفيافي والقفار، ركباناً على الإبل والبغال، ورجالاً يمشون على أقدامهم. منهم من بلغه وقضى تفثه، ومنهم من قطع دونه، ومع هذا فلم تزل النفوس تحن إليه ولا تكاد تروي عطشها من تكرار زيارته.

كم من مسلم جمع ماله سنين عدداً وعانى ما عانى من أنظمة وعوائق في بلاده، وجاهد وجد واجتهد، وانتظر وتربص حتى تهيأت له الفرصة فحج، ومع هذا فما زال قلبه يتقطع شوقاً إلى الديار المقدسة في كل عام.

فضائل الحج: مغفرة الذنوب ودخول الجنة

لا تلام النفوس وهي تتقطع شوقاً وتحن حباً، فهو بيت الله وحرمه الآمن. وكيف يلام المؤمنون وقد قرأوا قول الحبيب عليه الصلاة والسلام: «مَن حَجَّ فَلَم يَرفُثْ وَلم يَفسُقْ رَجَعَ كَيَومَ وَلَدَتهُ أُمُّهُ»؛ (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).

وقال عليه الصلاة والسلام: «العُمرَةُ إِلى العُمرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَينَهُمَا، وَالحَجُّ المَبرُورُ لَيسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةُ»؛ (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ العَمَلِ أَفضَلُ؟ قال: «إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ»، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ»، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «حَجٌّ مبرورٌ».

الحج: سياحة إيمانية

إنه الحج هو أعظم سياحة؛ لأنها سياحة إيمانية، يسافر صاحبها لوجه الله ولله، متعطشاً لرؤية بيته متشوفاً للمشاعر معظماً للشعائر.

دعوة للمبادرة: لا تتلمس الأعذار

فلنتق الله، ومن كان قادراً على الحج ولم يحج فليبادر ولا يتأخر، ولا يتلمس عذراً أياً كان، فإن من صدق الله صدقه الله، ومن استعان بالله أعانه الله.

ها نحن نرى الناس يسافرون يميناً وشمالاً ويقطعون المسافات ويبذلون الأموال، ويستدينون ويقترضون، لرحلة تنزه وسياحة، ثم نرى أولئك هم أنفسهم من يحجمون عن الحج بحجة أنهم عاجزون غير مستطيعين.

الحج المبرور: شروط وضوابط

اعلموا أن الحج لله، وكما أنه واجب بشرط الاستطاعة والقدرة، فقد نهى تعالى فيه عن كل ما ينقضه أو ينقصه، أو يخرجه به عن غايته؛ قال سبحانه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197].

أهمية تعلم أحكام الحج والالتزام بالتصاريح

فإن من أراد أن يحج فعليه أن يتعلم

المصدر: موقع طريق الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *