في تحليل معمق، يسلط محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين في شركة "أليانز" ورئيس كلية كوينز في جامعة كامبريدج، الضوء على التوقيت الحرج للاضطرابات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وتأثيرها العميق على الاقتصاد العالمي. يرى العريان أن التصعيدات الأخيرة، بما في ذلك الضربات الإسرائيلية على إيران، تأتي في لحظة حرجة، مما يزيد من حدة التحديات الاقتصادية القائمة ويهدد الاستقرار المالي العالمي.
تأثير مضاعف على الاقتصاد العالمي
يشير العريان إلى أن هذه التطورات تزيد من المخاطر التي تواجه النمو الاقتصادي وتفاقم الضغوط التضخمية. في ظل محدودية الخيارات المتاحة لصناع السياسات النقدية والمالية بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وعجز الميزانيات، يصبح الاقتصاد العالمي أكثر عرضة للصدمات.
- الأسواق المالية في حالة ترقب: شهدت الأسواق المالية رد فعل فوريًا، مع ارتفاع أسعار النفط. ومع ذلك، يظل السؤال المطروح هو كيفية استجابة منظمة "أوبك بلس" لهذا الوضع، خاصة وأن الارتفاع التدريجي في أسعار النفط يساهم في تغذية شبح الركود التضخمي.
- تراجع ثقة المستثمرين: يعكس انخفاض مؤشرات الأسهم قلقًا متزايدًا بشأن النشاط الاقتصادي، مع احتمال تراجع الإنفاق الاستهلاكي والإنتاج.
توقعات النمو العالمي في خطر
في وقت سابق من هذا الشهر، خفض البنك الدولي توقعاته للنمو العالمي في عام 2025 إلى 2.3%، وهو أقل بنحو نصف نقطة مئوية من التقديرات السابقة. وعلى الرغم من عدم توقع ركود عالمي، حذر البنك من أن العقد الأول من القرن الحالي قد يكون الأبطأ نموًا منذ الستينيات.
- تأثير أسعار النفط: تعتمد هذه التقديرات على فرضية أن متوسط سعر النفط سيكون 66 دولارًا للبرميل في عام 2025 و61 دولارًا في العام التالي، وهو ما قد يتغير جذريًا في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية.
تحديات السياسة النقدية والمالية
يشير العريان إلى أن البنوك المركزية ستضطر إلى تشديد مراقبتها للضغوط التضخمية، مما يقلل من فرص خفض أسعار الفائدة في المستقبل القريب. بالإضافة إلى ذلك، ستكون الحكومات مقيدة في قدرتها على تحفيز النمو من خلال السياسة المالية بسبب استمرار ارتفاع أسعار الفائدة وحساسية المستثمرين لعجز الموازنة والدين العام.
المملكة المتحدة كمثال
يخص العريان المملكة المتحدة كمثال على الدول التي قد تواجه صعوبات مضاعفة. سلطت مراجعة الإنفاق الأخيرة الضوء على المخاطر التي قد تهدد الأسر البريطانية بمزيد من الضرائب، مما قد يمحو أثر أي تخفيض محتمل في الفائدة من قبل بنك إنجلترا.
تآكل النظام الاقتصادي العالمي
بالإضافة إلى التأثيرات المباشرة، يلفت العريان الانتباه إلى تأثيرات غير مباشرة أعمق تتعلق بتآكل النظام الاقتصادي العالمي القائم على الهيمنة الأميركية.
- تقليل الاعتماد على الآليات الجماعية: يرى العريان أن هذه الفوضى الجديدة في الشرق الأوسط قد تدفع الدول إلى تقليل اعتمادها على الآليات الجماعية للضبط والاستقرار وتعزيز قدراتها الذاتية، مما يضعف الكفاءة العامة للاقتصاد العالمي.
ردود فعل الأسواق وتراجع النفوذ الأميركي
لاحظ العريان أيضًا رد الفعل "الضعيف نسبيًا" في أسواق السندات الأميركية والدولار بعد الهجوم، حيث لم تُسجّل المكاسب التقليدية التي عادة ما تحققها الأصول الآمنة في الأزمات.
- إعادة تقييم استراتيجيات الاستثمار: يثير هذا الأمر قلقًا على المدى الطويل، حيث قد تعيد الدول التي تميل إلى الإفراط في حيازة الدولار والأصول الأميركية النظر في هذه الإستراتيجية إذا استمر تراجع النفوذ الأميركي.
الخلاصة: تحذير من مستقبل غير مستقر
يختتم العريان تحليله بتحذير صريح بأن التصعيدات الأخيرة في الشرق الأوسط تمثل أخبارًا سيئة في وقت سيئ للغاية. تواجه الأسواق الآن مجموعة متزايدة من العوامل الجيوسياسية غير المستقرة، مما يشجع على تفتت النظام الاقتصادي الحالي ويزيد من احتمالات عدم الاستقرار المالي.
اترك تعليقاً