جوهر الولاء: اختبار الأوقات الصعبة
غالبًا ما يتبادر إلى أذهاننا صورة الصديق الذي يشاركنا لحظات الفرح والرخاء، لكن الولاء الحقيقي يتجلى بوضوح في الأوقات الصعبة. فمن لم يتذكرك في خضم انشغالاته، لن يكون عونًا لك في لحظات فراغه. الوفاء ليس مجرد مصافحة عابرة في فسحة من الوقت، بل هو ثبات ومؤازرة في ضيق المسار.
معادن الناس: حقيقة المواقف
الذي لا يستصحبك في لحظات الانشغال، ولا يحمل همّك وهو يئن تحت وطأة همومه، لا يُعوّل عليه عندما تتسع موائد الفراغ وتزخرف المجالس. من يظهر فقط في أزمنة السعة والرخاء، ثم يتلاشى في مواسم الجدّ، لا يمكن الاعتماد عليه في البناء والنهوض. مواقفه، مهما كانت مزخرفة بالكلمات، محكومة بمزاجه لا بمبدئه الراسخ.
الولاء للأمة: اختبار حقيقي في الشدائد
هذه القاعدة لا تنطبق على الأفراد فحسب، بل تمتد لتشمل مواقف الناس من أمتهم. العاقل لا ينخدع بمن يرفع شعار الأمة حين تعلو رايتها، ثم يختفي حين تئنّ وتتألم. الذي لا يبعثه ألم الأمة على شيء من التذكر والدعاء، ولا يستنفره جرحها لبذل الفكرة أو صوغ مشروع، لا يستحق أن يُعوّل عليه إذا تنفست الأرض رخاءً وتزينت الأحوال بالطمأنينة.
سنة ربانية: الاستجابة بعد الجراح
إن الله – جلّ في علاه – امتدح من استجابوا بعد الجراح، كما في قوله تعالى: {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح…}. هؤلاء ثبتوا حين كانت دواعي القعود أقوى، وأسباب التخلف أكثر إغراءً. الفضل يُنسب لمن أصرّ على الطريق في ظل التعب، وهذا هو الفيصل بين من امتلأت روحه بالهمّ الحق، وبين من كانت فكرته مشروطة بالتصفيق والظهور.
المصلحون الحقيقيون: نتاج اللحظات الصعبة
عندما نتأمل في سِيَر المصلحين، نجد أن أعظمهم لم يكونوا أبناء ظرف مريح، بل ثمرات لحظة صعبة فُتحت فيها نوافذ الوعي. لم يكونوا ممن جلسوا يراقبون، بل ممن نزلوا إلى الميدان وقدموا الفعل على الكلام.
من نعتمد عليهم؟
أولئك الذين تعوّل عليهم الأمة حين تدور الدوائر، ليسوا أولئك الذين يخرجون إذا زال الغبار، ليسألوا: "أين وصلتم؟" بل هم من شاركوا في صناعة النصر، وتحملوا أعباء الطريق. هم من أثبتوا ولاءهم في أصعب الظروف، فاستحقوا ثقة الأمة وتقديرها.
اترك تعليقاً