ربنا اغفر لنا: دعاء المؤمنين في زمن الفتن.. وأسباب النصر

مقدمة: وعد الله بالنصر حتمية تاريخية

يؤكد القرآن الكريم، وهو أصدق مرجع، على حقيقة ثابتة: أن الله أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون. هذا الظهور ليس مجرد وعد معلق، بل هو حتمية تاريخية تتجلى في صور متعددة، سواء بالحجة والبرهان، أو بالقوة والتمكين.

لا يتعارض هذا الوعد الإلهي مع ما قد يمر به المسلمون من ضعف أو ابتلاء في بعض الأحيان. فالضعف حالة مؤقتة، سرعان ما يزول، ليجدد الله للأمة دينها ويعلي شأنها. ويكفي أن نتذكر أن المسيح عيسى ابن مريم، عليه السلام، سينزل في آخر الزمان ليحكم بالإسلام، فيكون ذلك ظهوراً جلياً لهذا الدين.

متى يندرس الدين؟

اندراس الدين بالكلية لا يحدث إلا في نهاية الزمان، قبيل قيام الساعة. حين يأذن الله بإنهاء الحياة على الأرض، يرسل ريحًا طيبة تقبض روح كل مؤمن، ويبقى شرار الخلق الذين يعودون إلى عبادة الأوثان، وعندها تقوم الساعة. هذا لا يتعارض مع وعد الله بظهور الدين، لأن هذا الظهور يتحقق على مر العصور، رغم كيد الكافرين.

الثقة بوعد الله: وقود الأمل في زمن التحديات

يجب أن تملأ قلوبنا ثقة ويقين بوعد الله الصادق، حتى لا نيأس ونتخاذل. رسول الله صلى الله عليه وسلم كان واثقًا بنصر الله، حتى في أحلك الظروف.

  • بشارة عدي بن حاتم: روى الإمام أحمد عن عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بفتح كنوز كسرى وانتشار الأمن حتى تسير الضعيفة من الحيرة إلى مكة دون خوف، وقد تحققت هذه البشارة.

  • الثبات في وجه الإيذاء: لم تثنِ الشدائد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دعوته، بل واجه الإيذاء بالصبر والثبات، ولم يتزعزع إيمانه بوعد الله.

نماذج من الثبات: بلال وعمار وآل ياسر

  • بلال بن رباح: رغم التعذيب الشديد، لم يزدد إلا ثباتًا وإصرارًا على التوحيد، مرددًا "أحد أحد".
  • عمار بن ياسر ووالداه: صبروا على العذاب، وبُشِّروا بالجنة، حتى استشهدت سمية أم عمار وهي ثابتة على الإسلام.

اليوم: غربة الدين وعودة الفساد

اليوم، نجد أن الزمان قد استدار، وعاد الإسلام غريبًا كما بدأ، وعاد الفساد ينتشر في كل مكان:

  • فساد في العقائد: شرك وخرافات.
  • فساد في السلوك: فجور وفواحش.
  • فساد في الاقتصاد: ربا وغش.
  • فساد في الأنظمة: ظلم واستبداد.

التذكير بوعد الله: طريق الخلاص

في هذا الظرف الصعب، يجب أن نتذكر وعد الله، وأن نقتدي بالأنبياء وأتباعهم الذين صبروا وثبتوا في سبيل الله:

"وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ" (آل عمران: 146).

مقدمات النصر: التوبة والاستقامة والثبات

تحقيق وعد الله بالنصر يتطلب منا:

  • التوبة والاستغفار: "رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا" (آل عمران: 147).
  • الثبات والاستقامة: "وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا" (آل عمران: 147).
  • التقوى والإخلاص.
  • الاستعداد للتضحية.

بداية التغيير: من الداخل

النصر الحقيقي يبدأ من داخل النفس، بتطهيرها من الذنوب والأهواء، وتغيير ما بأنفسنا:

"إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" (الرعد: 11).

وصايا نبوية: طريق الفوز والسعادة

  • "قل: آمنت بالله، ثم استقم".
  • "اتقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن".
  • "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".
  • "لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله".
  • "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله".

دعاء ختامي

اللهم ارزقنا إيماناً راسخاً، ويقيناً صادقاً، وصبراً واسعاً، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

المصدر: موقع طريق الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *