زيف الانشغال: وهم الإنجاز أم هروب من الواقع؟


هل سبق لك أن توقفت لتتأمل الوجوه العابرة من حولك؟ تلك النظرات المجهدة، والكلمات التي تتردد على الألسنة كصدى أجوف: "مشغول جدًا"، "لا أجد وقتًا"، "مضغوط".. هل هذا الانشغال حقيقي وموجه نحو أهداف سامية، أم أنه مجرد قناع نخفي به تقاعسنا عن مواجهة أنفسنا؟

الانشغال: درع واقٍ أم سجن موهوم؟

في عصر السرعة والضغوط المتزايدة، أصبح الانشغال ذريعة جاهزة، و"درعًا" نتوارى خلفه لحماية أنفسنا من تبكيت الضمير. هل هذا الدرع يحمينا حقًا، أم أنه سجن نصنعه بأيدينا؟

  • الطالب الغارق في التشتت: بدلًا من التركيز على بناء قاعدة علمية متينة، يجد نفسه غارقًا في مراجعات عشوائية ومتابعة مصادر متفرقة، مبررًا ذلك بـ "الانشغال". لكن الحقيقة هي أنه يهرب من التحدي الأكبر: الانضباط والتخطيط السليم.

  • الداعية المتنقل بين الفعاليات: يسعى لإثبات وجوده من خلال كثرة المشاركة في الفعاليات والاجتماعات، متجاهلًا أهمية الكتابة والتأليف، معتذرًا بضيق الوقت. لكنه في الواقع يتجنب العزلة والتأمل العميق اللذين تتطلبهما الكتابة، مفضلًا بريق الأضواء المؤقت.

وهم الإنجاز: بين العمل الحقيقي والأعمال الجانبية

عندما نخاف من مواجهة العمل الحقيقي، نلجأ إلى ما يشبهه، ننخرط في "أعمال جانبية" تمنحنا شعورًا زائفًا بالإنجاز. لكن في أعماقنا، نعلم أن هذا ليس هو الطريق الصحيح. كم مرة رأيت شخصًا يقضي يومه بين الملفات والمواعيد، وعندما تسأله عن مشروعه الأساسي، يتلعثم وتتوارى الإجابة خلف أعذار واهية؟

زيف الانشغال: واجهة اجتماعية للتملص من المسؤولية

لقد تحول "زيف الانشغال" إلى واجهة اجتماعية جديدة، وسيلة للتحايل على الوقت وتجنب تحمل المسؤولية. لا يريد أحد أن يُتهم بالكسل، لكن القليلين مستعدون لدفع ثمن التقدم الحقيقي. غالبًا ما تكون "الانشغالات" مجرد ذريعة لدفن الأسئلة المؤلمة التي تطرق أبواب عقولنا:

  • أين أنا من إصلاح نفسي؟
  • ما هو دوري في خدمة مجتمعي؟
  • هل أسعى حقًا لتحقيق أهدافي؟

ميزان الآخرة: بين رزنامة الهاتف وصحيفة الأعمال الصالحة

في نهاية المطاف، سيأتي اليوم الذي نزن فيه أعمالنا في ميزان الآخرة. فهل سنجد ما يرجى؟ العمل الحقيقي ليس ما يتراكم في رزنامات هواتفنا، بل ما يتراكم في صحيفة أعمالنا الصالحة، وفي عمق الأثر الذي نتركه في حياة الآخرين، وفي تجريد قلوبنا لله.

شتان بين مشغولٍ بالله، يسعى لرضاه في كل عمل، ومشغولٍ عن الله، تائه في متاهات الحياة الزائفة. فاختر طريقك بحكمة.

المصدر: موقع طريق الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *