#
الشجاعة والإقدام صفتان لازمتان للمسلمين عبر التاريخ، تجسدت في مواقف بطولية سطرت بمداد من نور. هذه البسالة ليست مجرد صفة عابرة، بل هي نتاج إيمان راسخ وعقيدة قوية غرست في نفوسهم حب التضحية ونصرة الحق.
الشجاعة في القرآن والسنة: منبع الإقدام
لقد أولى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة أهمية كبرى لصفة الشجاعة، وحثا المسلمين على التحلي بها. فالقرآن الكريم ربى نفوس المؤمنين على الإقدام والثبات في وجه التحديات، ودعاهم إلى استخدام هذه الصفة لنصرة الحق وإزهاق الباطل.
-
آيات تحث على الثبات والشجاعة:
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال : 45]
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} [الأنفال : 15]
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة : 123]
- النبي صلى الله عليه وسلم: القدوة الحسنة في الشجاعة:
كان النبي صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأكثرهم ثباتًا وإقدامًا. يصفه أنس بن مالك رضي الله عنه بأنه كان أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس.
نماذج من شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام
تزخر السيرة النبوية وسيرة الصحابة الكرام بالعديد من المواقف التي تجسد الشجاعة والإقدام. هذه المواقف ليست مجرد حكايات تاريخية، بل هي دروس وعبر نستلهم منها القوة والعزيمة.
-
موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع غورث بن الحارث:
عندما أشهر غورث بن الحارث السيف على النبي صلى الله عليه وسلم، لم يرتعب بل قال بثبات: "الله"، فسقط السيف من يد غورث. هذا الموقف يظهر مدى ثقة النبي صلى الله عليه وسلم بالله وشجاعته في مواجهة الخطر. -
أبو دجانة في معركة أحد:
عندما عرض النبي صلى الله عليه وسلم سيفًا في معركة أحد، لم يتقدم لأخذه إلا أبو دجانة، الذي أقسم أن يضرب به وجوه العدو حتى ينحني. عصب أبو دجانة رأسه بعصابة حمراء، وخرج يتبختر بين الصفين، وهذا يدل على استعداده للتضحية والفداء. -
الزبير بن العوام في معركة أحد:
عندما دعا طلحة العبدري إلى المبارزة في معركة أحد، تقدم الزبير بن العوام إليه وقفز عليه قفزة الأسد، فذبحه بالسيف. هذا الموقف يظهر مدى شجاعة الزبير وقدرته على مواجهة الأبطال. -
أنس بن النضر في معركة أحد:
عندما أشيع أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل في معركة أحد، لم يستسلم أنس بن النضر بل قال: "فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم". ثم قاتل المشركين حتى قتل، وكان به بضع وثمانون ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم. - خالد بن الوليد: سيف الله المسلول:
لم يهزم خالد بن الوليد في معركة قط، وكان قائدًا لجيش المسلمين في معركتي اليمامة واليرموك الشهيرتين. عندما طلب ماهان من خالد أن يعطيه مالًا مقابل أن يرجع بجيشه، رد عليه خالد قائلًا: "إنا قوم نشرب الدماء، وأنه بلغنا أنه لا دم أطيب من دم الروم فجئنا لنشربه".
الشوق إلى الشهادة: الدافع الأعظم للشجاعة
لم يكن دافع المسلمين إلى الشجاعة والإقدام مجرد الرغبة في الانتصار، بل كان الشوق إلى الشهادة والتعجيل للقاء الله سبحانه وتعالى هو الدافع الأعظم. كانوا يعلمون أن الله اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بالجنة، فكانوا يقاتلون في سبيله فيقتلون ويقتلون.
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة : 111].
إن قصص الشجاعة في الإسلام هي مصدر إلهام لنا في هذا العصر، تعلمنا أن الإيمان القوي والثقة بالله هما أساس الشجاعة والإقدام. فلنستلهم من هذه القصص العبر والدروس، ولنتحل بصفة الشجاعة لنصرة الحق وإعلاء كلمة الله.
اترك تعليقاً