الحمد لله الذي جعل الأرض قرارًا وألقى فيها رواسي، وجعل فيها مساكن يأوي إليها الإنسان، وسبحانه الحكيم الخبير الذي يدبر الأمور بحكمته، فيبتلي ليظهر صبر الصابرين ويقيم الحجة على الظالمين.
أما بعد:
فإنه من عظيم الجرائم والبلايا التي يتعرض لها المسلمون في بيت المقدس، ما تقوم به سلطات الاحتلال من إجبار الفلسطينيين على هدم منازلهم بأيديهم، وهو ظلم عظيم واعتداء صارخ على الحقوق الإنسانية والدينية. فإن الله تعالى جعل البيت مأوى وموضع استقرار، كما قال: {وَجَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُم سَكَنًا} [النحل: 80]، فكيف يُسلب الإنسان حقه في ذلك ظلماً وعدواناً؟
تحليل الواقعة
الخبر يشير إلى أن سلطات الاحتلال أجبرت فلسطينيَين في القدس المحتلة على هدم منزليهما قسرًا بحجة عدم الترخيص، إضافة إلى هدم محل تجاري. وقد بات هذا السلوك سياسة منهجية تستهدف تهجير المقدسيين قسرًا، كما يظهر من الإحصاءات الواردة في تقرير محافظة القدس، حيث بلغت عمليات الهدم والتجريف خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي 36 عملية.
إن هذه الأرقام تكشف عن حجم العدوان المستمر والتصعيد المنهجي الذي يُمارس تحت دعاوى قانونية واهية. فامتناع الاحتلال عن منح التراخيص للفلسطينيين في القدس ليس إلا وسيلة لإحكام السيطرة على المدينة، وإضعاف صمود أهلها.
التعليق بأسلوب تأملي
أيها القارئ الكريم، تأمل هذا الظلم الذي يذكّرنا بما حذر الله منه في كتابه الكريم حين قال: {وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا} [الكهف: 59]. فإن الظلم سبب للهلاك، وهو صفة مذمومة ينفر منها أصحاب الفطر السليمة.
وهل أعظم من أن يُجبر إنسان على هدم بيته بيديه؟ فإن هذا ليس فقط اعتداءً على حقه المادي، ولكنه أيضًا اعتداء على مشاعره، إذ يُطلب منه أن يكون هو أداة هدم ما بناه بعرقه وكدحه. وهذا مما يزيد الألم في النفوس، ويُفاقم شعور القهر والاضطهاد.
أبعاد دينية وسياسية
إن سياسة الهدم التي تُمارس بحق أهل القدس هي جزء من مخطط أكبر يهدف إلى تهويد المدينة وطمس هويتها الإسلامية. فهي ليست مجرد قضية سكنية، بل معركة وجود. وإن صمود أهل القدس هو في حد ذاته عبادة ومقاومة، لأنه صمود في وجه الظلم ورفض للتفريط في الأمانة التي استودعها الله إياهم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من البلاء، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك.” [رواه البخاري]. ولا شك أن أهل القدس هم جزء من هذه الطائفة المرابطة، فإنهم يدافعون عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الدعوة إلى النصرة
أيها المسلمون، إن نصرة أهل القدس واجب على الأمة جمعاء، لا يتخلف عنه إلا خائن أو غافل. وهي نصرة بالكلمة والموقف والعمل، فإن الكلمة سلاح، وإن تثبيتهم معنويًا وماديًا واجب شرعي.
فلنكن كما أمرنا ربنا: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]. ولنذكر أنفسنا وأبناءنا بقضية القدس، فإنها أمانة في أعناقنا، وسوف نسأل عنها يوم القيامة.
ختامًا
إن ما يجري في القدس هو امتحان عظيم لأهلها ولأمة الإسلام جمعاء. فليثبت أهل القدس على حقهم، وليعلموا أن الله ناصرهم ولو بعد حين، قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم: 42]. ولنتضرع إلى الله أن يرفع الظلم عن إخواننا، وأن يجعل لنا ولهم فرجًا ومخرجًا قريبًا.
اللهم انصر إخواننا في القدس وفي كل مكان، ورد كيد الظالمين في نحورهم، واجعل تدبيرهم تدميرًا عليهم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
اترك تعليقاً