يا غوثاه: كيف تضامن المسلمون في عام الرمادة لإنقاذ أمة محمد ﷺ؟
في لحظات الشدة والمحن، تتجلى قوة التآزر والتكاتف بين أفراد الأمة الإسلامية. فالمسلمون جسد واحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. هذا ما تجسد بوضوح في عام الرمادة، العام الذي ضربت فيه المجاعة منطقة الحجاز والمدينة المنورة، وكيف هبّ المسلمون في مختلف الأمصار لنجدة إخوانهم.
عام الرمادة: محنة تستدعي النخوة
عام الرمادة، كما وصفه التاريخ، كان عاماً قاسياً شهد فيه أهل المدينة والحجاز قحطاً وجوعاً شديدين. في هذا الوقت العصيب، لم يقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مكتوف الأيدي، بل أطلق نداء استغاثة مدوياً إلى ولاة الأمصار، مستصرخاً ضمائرهم لنصرة إخوانهم.
- نداء الاستغاثة: "يا غوثاه لأمة محمد ﷺ" – كلمات قليلة تحمل في طياتها معنى المسؤولية والتضامن.
استجابة الأمصار: قوافل الإغاثة تنطلق
لم يتأخر الولاة في الاستجابة لنداء أمير المؤمنين، فسرعان ما تحركوا لإغاثة أهل الحجاز.
- عمرو بن العاص في مصر: رد على نداء عمر بن الخطاب بقوله: "السلام عليك أما بعد: لبيك لبيك، أتتك عير أولها عندك وآخرها عندي. مع أني أرجو أن أجد سبيلا أحمل في البحر". وأرسل قافلة عظيمة من الطعام وصلت إلى جدة بحراً ثم نُقلت إلى مكة.
- أبو موسى الأشعري في البصرة (العراق): استجاب أيضاً لنداء الاستغاثة وأرسل قافلة محملة بالطعام إلى المدينة.
- أبو عبيدة بن الجراح: قدم بأربعة آلاف راحلة من الطعام، مساهماً في تخفيف وطأة المجاعة.
دروس من عام الرمادة: التكافل في زمن الأزمات
تُظهر قصة عام الرمادة دروساً عظيمة في التكافل والتضامن بين المسلمين في أوقات الشدة.
- الوحدة الإسلامية: تجسيد عملي لمعنى الوحدة الإسلامية وتآزر المسلمين في وجه المحن.
- المسؤولية الاجتماعية: كل مسلم مسؤول عن إعانة أخيه المسلم وتلبية حاجته.
- الإيثار والعطاء: تقديم مصلحة الآخرين على المصلحة الشخصية في سبيل تخفيف المعاناة.
إن قصة عام الرمادة تذكرنا بأهمية التكافل الاجتماعي في الإسلام، وكيف يمكن للمسلمين أن يتحدوا ويتعاونوا لتجاوز الصعاب والمحن. فلنستلهم من هذه القصة العبرة والعظة، ولنجعلها نبراساً يضيء لنا طريق الخير والعطاء في كل زمان ومكان.
المصادر:
- المستدرك للحاكم
- البداية والنهاية لابن كثير
- الكامل في التاريخ لابن الأثير
اترك تعليقاً