الحمد لله الذي تفضل علينا بنعمه الظاهرة والباطنة، وجعل بيته الحرام مهوى الأفئدة وموئل الكرام. إن مكة المكرمة ليست مجرد بقعة على سطح الأرض، بل هي حاضرة مباركة اختصها الله بفضائل جمة، ومنحها خصائص فريدة، وجعلها مسرحًا لأحداث عظيمة على مر العصور.
مكة في سطور: خصائص فريدة وفضائل عظيمة
لقد حظيت مكة المكرمة بمكانة خاصة في الشريعة الإسلامية، حيث جعلها الله حرمًا آمنًا يحرم فيه الصيد وقطع الشجر، ويحظر التقاط لقطتها إلا للتعريف بها، وغيرها من الأحكام الفقهية التي تميزها عن سائر البقاع.
دعوة إبراهيم الخليل: الأمن والرزق والأفئدة الهاوية
تتجلى عظمة مكة في استجابة الله لدعوة إبراهيم عليه السلام، حين ابتهل إلى الله أن يجعلها بلدًا آمنًا ويرزق أهلها من الثمرات، فجعل أفئدة الناس تهوي إليها، وبارك في أرزاقها، فصارت قبلة المسلمين ومحط أنظارهم.
الحرم الآمن: جزاء الإلحاد بالعذاب الأليم
ومن خصائص هذا البلد الأمين أن الله توعد من أراد فيه ظلمًا أو إلحادًا بعذاب أليم، حتى لو كانت مجرد نية تدور في الخاطر، وهذا يدل على عظم مكانة هذا البلد عند الله.
المواقيت المكانية والزمانية: سياج حول الحج
أحاط الله الحج إلى بيته العتيق بسياج جغرافي وزماني، فحدد المواقيت المكانية التي لا يجوز تجاوزها إلا بالإحرام، وعين للحج أشهرًا معلومات، وذلك لتهيئ النفوس وتطهير القلوب استعدادًا لهذه الرحلة المباركة.
مكة: أرض التجليات الربانية ومنح العبودية
إن المتأمل في شأن البلد الحرام يدرك أنه سبحانه وتعالى اختصها بخاصية فريدة، وهي أن الله يعطي فيها من النعم الأصلية كالهداية والعلم النافع والعمل الصالح والحكمة، ويمنح من مراتب العبودية كالإيمان والإحسان والشهادة والصديقية، أكثر وأسرع مما يعطي في غيرها من بقاع الأرض الأخرى.
- النعم الأصلية: الهداية، العلم النافع، العمل الصالح، الحكمة.
- مراتب العبودية: الإيمان، الإحسان، الشهادة، الصديقية.
ويستجيب الله فيها لمن طلب منه هذه النعم والمراتب أسرع مما يستجيب في غيرها من البلدان، فالله سبحانه وتعالى يعطي هذه النعم في كل بلد من الأرض، ولكنه يعطيها في مكة أسرع وأكثر.
ابتلاءات الأنبياء: تهيئة للمنح العظيمة
لقد ابتلى الله أنبياءه في مكة ابتلاءات عظيمة، فابتلى إبراهيم عليه السلام بترك زوجته وابنه في واد غير ذي زرع، ثم أمره بذبح ابنه، وابتلى محمدًا صلى الله عليه وسلم بالصعاب والمحن في مكة أكثر مما ابتلاه في المدينة، وذلك ليصلا إلى أعلى مراتب العبودية، وهي الخلة.
الحج إلى مكة: فرصة للتزود من النعم الأصلية
لعل من مقاصد الحج أن يُدعى المسلم إلى هذا المكان الذي يتجلى فيه كرم الله سبحانه وعطاؤه أكثر من غيره من الأماكن، فتُكثَّف عليه العبادة في أيام معدودات ليعطى من هذه النعم وغيرها أكثر مما يعطى في بلده الذي جاء منه.
الدعاء والإلحاح: مفتاح العطايا الربانية
فإذا تأمل الحاج هذه الخاصية لمكة ألحَّ على الله سبحانه بالدعاء أن يُكثر له من النعم كلها الأصلية والفرعية، خاصة الأصلية، وأن يرفع مقامه في العبودية، فربما استجاب الله له في هذه الرحلة القصيرة، وضاعف علمه أو حكمته أو تقواه أو عمله الصالح، أو رفع درجته، فجاء مسلماً ورجع مؤمناً، أو جاء مؤمناً ورجع محسناً، أو جاء محسناً ورجع صدِّيقاً.
الابتلاء في مكة: مقدمة للعطاء الجزيل
سنة الله في النعم الأصلية ألا يعطيها عبده حتى يبتليه ويختبره، ولهذا يشتد الابتلاء والاختبار على الحاج في مكة تمهيداً لعطايا يرجوها من الله عز وجل إن صبر واتقى الله سبحانه.
التقوى والصبر: طريق الفوز بالعطايا الربانية
فوطِّن نفسك – أخي الحاج! – على التقوى، وتزود منها، واصبر عن الشهوات المحرَّمة تَفُز بعطايا ربانية لا حصر لها. وعليك بالدعاء والإلحاح في الطلب، فربك غني كريم، جواد عظيم.
اترك تعليقاً