أسماء الله الحسنى: الشهيد، الرقيب، المهيمن، والمحيط – شرح وتفاسير من أقوال السلف

أسماء الله الحسنى: الشهيد، الرقيب، المهيمن، والمحيط – شرح وتفاسير من أقوال السلف

أسماء الله الحسنى: الشهيد، الرقيب، المهيمن، والمحيط – شرح وتفاسير من أقوال السلف

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

في هذا المقال، سنتناول أربعة من أسماء الله الحسنى: الشهيد، الرقيب، المهيمن، والمحيط، مُستعرضين آراء بعض السلف الصالح في معانيها ومدلولاتها، سائلين الله أن ينفعنا بما نذكر.

الشهيد: الشاهد على كل شيء

يُشير اسم الله "الشهيد" إلى علم الله الشامل وإدراكه التام لكل شيء، ظاهرًا كان أم باطنًا. فهو شاهد على أعمال العباد، خفية كانت أم جلية. وقد وردت آراءٌ متعددةٌ توضح هذا المعنى:

  • قوام السنة الأصفهاني رحمه الله: يُعرّف "الشهيد" بأنه الشاهد على أعمال العباد وأحوالهم، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ﴾ [يونس: 61]. ويدعو إلى وقفةٍ تأمليةٍ قبل الشروع في أي عمل، مراعاةً لشهادة الله تعالى.

  • ابن الأثير الجزري رحمه الله: يُضيف إلى هذا المعنى أن "الشهيد" هو الحاضر الذي لا يغيب عنه شيء، مشيرًا إلى أن هذا الاسم يُعدّ من أبنية المبالغة في الفعل "شاهد"، مُقارنًا إياه بأسماء أخرى كـ "العليم" و"الخبير".

  • ابن عبدالعز الحنفي رحمه الله، والعلامة العثيمين رحمه الله، والعلامة السعدي رحمه الله: جميعهم اتفقوا على أن "الشهيد" يعني العلم الإلهي الشامل الذي لا يخفى عليه شيء، مُشدّدين على أن هذا الحضور الإلهي ليس حضورًا مكانيًا، بل حضورًا علميًا شاملًا. وقد توسّع العلامة السعدي رحمه الله في شرح هذا المعنى، مُبيّنًا إحاطة علم الله بكل شيء، من الماضي والحاضر والمستقبل، الظاهر والباطن، الكبير والصغير.

الرقيب: الحافظ والمراقب

اسم الله "الرقيب" يُعبّر عن مراقبة الله الدائمة لعباده، وعلمه بخفايا قلوبهم وأعمالهم. وقد أوضح السلف هذا المعنى من خلال عدة تفسيرات:

  • الزجاج: يُعرّف "الرقيب" بأنه الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء.

  • النحاس: يُضيف إلى هذا المعنى أن علم الرقيب محيط بكل شيء.

  • ابن الأثير الجزري رحمه الله: يُؤكد على أن "الرقيب" هو الحافظ الذي لا يفوته شيء.

  • ابن القيم رحمه الله، والعلامة العثيمين رحمه الله، وصالح بن فوزان الفوزان رحمه الله: جميعهم بيّنوا أن الله رقيب على الخواطر والأفعال، حتى ما يخفى على الناس من أعمالٍ وأفكارٍ. وقد ربط العلامة العثيمين رحمه الله بين الإيمان برقابة الله تعالى وكمال مراقبة العبد لله تعالى والخوف منه. وقد استشهدوا بآياتٍ قرآنيةٍ تُؤكد هذا المعنى، مثل: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا ﴾ [الأحزاب: 52].

المهيمن: الشاهد والحافظ

اسم الله "المهيمن" يُشير إلى سلطان الله وقدرته، وإلى شهادته على عباده وأعمالهم. وقد تباينت الآراء قليلاً في شرح هذا الاسم، إلا أنها تتفق في الجوهر:

  • ابن جرير الطبري رحمه الله، وابن منده رحمه الله، وأبو الشيخ رحمه الله، والبغوي رحمه الله، وابن كثير رحمه الله، والشوكاني رحمه الله، وحافظ حكمي رحمه الله، وفالح بن مهدي آل مهدي رحمه الله، وعبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر رحمه الله: جميعهم فسّروا "المهيمن" بأنه الشاهد على عباده بأعمالهم، أو بأنه الرقيب عليهم، أو بأنه المطلع على خفايا الأمور وخبايا الصدور.

المحيط: الإحاطة بالعلم والقدرة

اسم الله "المحيط" يُعبّر عن إحاطة علم الله وقدرته بكل شيء، دون استثناء. وهذا المعنى قد وُضّح من خلال:

  • قوام السنة الأصفهاني رحمه الله: يُعرّف "المحيط" بأنه الذي أحاطت قدرته بجميع خلقه، وأحاط بكل شيء علمًا وأحصى كل شيء عددًا.

  • ابن القيم رحمه الله، والعلامة العثيمين رحمه الله، وصالح بن فوزان الفوزان رحمه الله: جميعهم أكّدوا على إحاطة علم الله وقدرته وإرادته وتدبيره بكل شيء، مُبيّنين أن هذا العلم لا يقتصر على مكانٍ أو زمانٍ، بل يشمل كل شيء. وقد حثّ العلامة العثيمين رحمه الله على التأثر بهذه المعاني، وأن يُؤدي ذلك إلى طاعة الله واجتناب معاصيه.

ختامًا، نرجو أن يكون هذا المقال قد وفّر فهمًا أعمق لهذه الأسماء الإلهية، وأن يُسهم في تعزيز الإيمان بقوة الله وعلمه وإحاطته بكل شيء.

المصدر: شبكة الألوكة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *