أصول العلم الشرعي: نظرة على دور العرب وتأثير الأمم الأخرى**

مقدمة: القرآن الكريم والعرب

قال تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: 3]. هذه الآية الكريمة تؤكد على أن القرآن الكريم نزل باللغة العربية، وهو موجه لقوم يعلمون، أي لقوم يفقهون ويدركون أهمية هذا الكتاب. كما قال عز وجل: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف: 44]، مما يدل على أن القرآن شرف للنبي صلى الله عليه وسلم ولقومه العرب، وأنهم سيُسألون عن الإيمان به، والعمل بتعاليمه، وتبليغه للأمم الأخرى.

الصحابة والتابعين: الجيل الأول من علماء الشريعة

الجيل الأول الذي تعلم العلم الشرعي، قرآناً وسنة وفقهاً، هم الصحابة الكرام رضي الله عنهم. أغلبهم كانوا من العرب، باستثناء قلة نادرة مثل بلال الحبشي وسلمان الفارسي رضي الله عنهما. ثم انتقل العلم من الصحابة إلى تلاميذهم من التابعين، وكان أغلب التابعين المشهورين من العرب أيضاً، ولكن مع مرور الوقت، ازداد عدد التابعين من غير العرب.

دور العرب في تأسيس قواعد العلم الشرعي

الأصل في العلم الشرعي يعود إلى العرب، فإذا نظرنا إلى مشايخ القراء العشرة المشهورين بحفظ القرآن الكريم، وإلى مشايخ حفاظ الحديث النبوي الشريف، سنجد أنهم في الغالب من علماء العرب. فأسانيد القراء والمحدثين تنتهي إلى علماء الصحابة من المهاجرين والأنصار، الذين أخذوا العلم مباشرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أهمية العلم الشرعي للجميع

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الجمعة: 2، 3].

وفي الحديث الشريف الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عندما نزلت سورة الجمعة، وسأل رجل عن المقصود بقوله تعالى: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}، وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على سلمان الفارسي وقال: "لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء".

تأثير الأمم الأخرى في ازدهار العلوم الشرعية

هذا الحديث النبوي الشريف دليل على أن العلم الشرعي ليس حكراً على العرب، بل هو متاح لكل من طلبه بصدق وإخلاص. فقد برز العديد من العلماء غير العرب في مختلف فروع العلم الشرعي، مثل:

  • القراء: أغلب القراء العشرة أصلهم من فارس.
  • المحدثون: أصحاب الحديث الستة المشهورون (البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه) كلهم من فارس.
  • علماء النحو: أشهر علماء النحو مثل سيبويه من فارس.
  • علماء التفسير والتاريخ: محمد بن جرير الطبري من فارس.
  • الفقهاء: الإمام أبو حنيفة قيل: أصله من فارس.

مشايخ العلماء غير العرب من العرب

على الرغم من أن هؤلاء العلماء كانوا من غير العرب، إلا أن أغلب مشايخهم كانوا من العرب، مثل:

  • أبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السُّلمي: من أشهر قراء التابعين، وعلم الناس القرآن أربعين سنة، وهو من العرب من أبناء الصحابة.
  • أبو عمرو بن العلاء المازني البصري وابن عامر اليحصبي الدمشقي: من القراء العشرة وهما من العرب.
  • محمد بن شهاب الزهري: أعلم التابعين بالحديث، وهو من العرب من قريش.
  • سفيان الثوري ووكيع بن الجراح الرؤاسي وإسحاق بن راهويه الحنظلي: حفاظ السنة من العرب.
  • الأئمة الفقهاء الثلاثة: مالك بن أنس ومحمد بن إدريس الشافعي وأحمد بن حنبل: من العرب.
  • الخليل بن أحمد الفراهيدي: إمام العربية والنحو شيخ سيبويه من العرب.
  • عبد الملك بن قُرَيب الأصمعي: راوية الشعر واللغوي المشهور من العرب.

الخلاصة: التقوى هي المعيار الحقيقي

العلم الشرعي متاح لكل من طلبه بجد واجتهاد، سواء كان عربياً أو أعجمياً، شريفاً أو وضيعاً، أبيض أو أسود، من آل البيت أو من غيرهم. لا فضل في الشريعة للأفراد إلا بالتقوى، كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]. فالعلم نور يضيء الدرب، والتقوى هي الزاد الذي يوصل إلى رضا الله تعالى.

المصدر: موقع طريق الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *