أيام التشريق: مناسك الحج، فضائلها، وأحكامها
مقدمة: يوم النحر وأيام التشريق
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها المسلمون الكرام، بعد أن أديتم صلاة عيد الأضحى المبارك، وضحيتم أضاحيكم، وبعد أن أتم الحجاج رمي جمرة العقبة وذبحوا هداياهم وأتموا طوافهم وسعيهم وحلقوا أو قصروا، فلله الحمد على ما وفق إليه المسلمين من عبادات وقربات وطاعات. يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر، يُشهدُ أنواعًا كثيرة من العبادات والقربات، من صلاة وذبح، وطواف وسعي، ورجم للجمرة وحلق أو تقصير، بالإضافة إلى الدعاء والثناء والتهليل والتحميد والتكبير. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر"، رواه الإمام أحمد وأبو داود، وصححه الألباني. ويوم القر هو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة.
أيام التشريق: وقفاتٌ مباركة في منى
في اليوم الحادي عشر، يستقر الحجاج في منى، حيث يقضون ليالي أيام التشريق (الحادي عشر، الثاني عشر، الثالث عشر)، ويرمون الجمرات بعد زوال الشمس. في اليوم الثاني عشر (يوم النفر الأول)، يجوز لمن تعجل من الحجاج رمي الجمرات بعد الزوال، ثم طواف الوداع، لِيَنتَهِيَ حَجُّهُ. أما في اليوم الثالث عشر (يوم النفر الثاني)، ينفر من منى بقية الحجاج بعد زوال الشمس ورجم الجمرات، ليطوفوا طواف الوداع، ثم يعودوا لبلادهم بعد أن أدوا حجهم وقضوا تفثهم. وتسمى هذه الأيام الثلاثة (الحادي عشر، الثاني عشر، الثالث عشر) بأيام التشريق، نسبةً إلى ما كان الناس يفعلونه في السابق من "تشريق" اللحوم، أي تقطيعها ووضع الملح عليها، ثم نشرها على الحبال لتجفّ، وذلك قبل توفر وسائل التبريد الحديثة. فلله الحمد الذي خلق للناس مما لا يعلمون أشياء كثيرة تنفعهم، وأمدّهم بوسائل متنوعة جعلت حياتهم أيسر وأكثر رفاهية.
فضائل أيام التشريق: أيامٌ من الأكل والشرب وذكر الله
أيام التشريق، أيها المسلمون، هي أيام عيد للمسلمين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب"، رواه الإمام أحمد وغيره، وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله"، رواه مسلم. في هذه الأيام، يذبح المسلمون هداياهم وأضاحيهم، ويأكلون ويشربون، ويحمدون الله على نعمه ويشكرونه، ويكثرون من ذكره ودعائه والثناء عليه. يأكل المسلم من نعمة الله ليتقوى بها على طاعة الله، ويُسَمِّي ويُكَبِّر ويُحَمِّدُ ويُشْكُرُ، ويعبد ربه حق عبادته، ليحفظ عليه تلك النعم، وليكون له عند ربه ما هو خير وأبقى في جنة المأوى.
أحكام أيام التشريق: ما يجب وما يحرم
يُحرم صيام هذه الأيام إلا على حاج لم يجد الهدي، أما باقي المسلمين فيأكلون ويشربون و يذكرون الله بأنواع الذكر عند الذبح، وفي أدبار الصلوات المكتوبة، وقبل الأكل والشرب وبعده وفي أثنائه، وفي كل وقت بأنواع الذكر والدعاء. يُمتد ذبح الأضاحي إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر، وهو جائز ليلاً ونهاراً. احمدوا الله على ما يسره لكم ليرضى عنكم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها"، رواه مسلم. نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.
خاتمة: دعوةٌ للتقوى والشكر
أخيرًا، اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحمدوه وذكروه واشكروه ولا تكفروه. ولنوسع على أنفسنا وأهلنا في هذه الأيام، ولنأكل من نعم الله، ولنكثر من ذكره وشكر، ولنحسن عبادته. قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7]. صلوا وسلموا على نبينا محمد بن عبد الله…
اترك تعليقاً