مقدمة: نظرة إلى الوراء نحو مهد الحضارة
قبل حوالي 2500 عام، في قلب الإمبراطورية البابلية الحديثة، بزغت فكرة فريدة من نوعها غيرت الطريقة التي ننظر بها إلى الماضي. الأميرة إينيغالدي-نانا، ابنة الملك نبونيد، لم تكن مجرد شخصية ملكية، بل كانت رائدة أسست أول متحف معروف في التاريخ، لتُخلد بذلك اسمها في سجلات الحضارة.
إينيغالدي-نانا: الأميرة الكاهنة وعشقها للتاريخ
إينيغالدي-نانا لم تكن مجرد أميرة، بل كانت أيضًا كاهنة عليا في معبد آلهة القمر "سين" في مدينة أور. شغفها بالتاريخ لم يكن مجرد هواية، بل كان جزءًا لا يتجزأ من هويتها. والدها، الملك نبونيد، كان أيضًا مهتمًا بشدة بالتاريخ، لدرجة أنه يعتبره البعض "أول عالم آثار" بسبب اهتمامه بالتنقيب عن الآثار ووصفها بدقة. هذا الشغف المشترك بالتراث والماضي جعل من إينيغالدي-نانا شخصية فريدة في عصرها.
المتحف الأول: مجموعة من الآثار تحكي قصة الماضي
جمعت إينيغالدي-نانا بعناية مجموعة من القطع الأثرية التي تعود إلى فترات زمنية مختلفة، من حوالي 2100 ق.م إلى 600 ق.م. تضمنت هذه المجموعة تماثيل، وحجارة حدودية (كودورو)، ورؤوس صولجان، وغيرها من القطع التي تم الحفاظ عليها بعناية. هذه المجموعة، التي تم تنظيمها وعرضها بشكل مقصود، كانت بمثابة أول "متحف" معروف في العالم، مما يدل على وعي مبكر بأهمية الحفاظ على التراث الثقافي وعرضه للأجيال القادمة.
"بين نهرين": كتاب يحيي تاريخ بلاد الرافدين
كتاب "بين نهرين: بلاد ما بين النهرين القديمة وولادة التاريخ" للباحثة موضي الرشيد، يسلط الضوء على أهمية بلاد الرافدين في تاريخ العالم. الكتاب يستعرض العديد من "الأوائل التاريخية العالمية" التي شهدتها هذه المنطقة، مثل أول نظام كتابة، وعجلة الخزاف، وأول سجل لإنتاج البيرة، وابتكارات في الزراعة. إينيغالدي-نانا ومتحفها هما جزء من هذه "الأوائل" التي قدمتها بلاد الرافدين للعالم.
رحلة عبر الزمن: فصول الكتاب تكشف أسرار الماضي
يتناول الكتاب 10 قطع أثرية من مجموعة إينيغالدي-نانا، حيث يقدم كل فصل نظرة متعمقة على قطعة معينة وموضوع مرتبط بها. على سبيل المثال، يقود رأس صولجان قديم إلى مناقشة مفاهيم الحرب والعنف والموت في بلاد الرافدين. الفصول الأخرى تستكشف أسرار الكتابة المسمارية، ونشأة المدن، وأنماط القيادة، ونظم التعليم القديمة، والتطورات العلمية، وعالم الآلهة.
بلاد الرافدين: أكثر من مجرد تاريخ
الكتاب لا يقتصر على سرد الحقائق التاريخية، بل يمزج بينها وبين ذكريات شخصية وتأملات مؤثرة للمؤلفة، مما يضفي بعدًا إنسانيًا على النص. هذا النهج يجعل القارئ يشعر بالارتباط الشخصي بتاريخ بلاد الرافدين ويشاركه في هذه المغامرة العلمية.
إرث بلاد الرافدين: كنوز منسية تستحق الاكتشاف
على الرغم من الإرث الثقافي الهائل لبلاد الرافدين، إلا أن تاريخها يظل غير معروف إلى حد كبير لغير المتخصصين. الكثيرون على دراية بالفلاسفة والشعراء الإغريق والرومان، لكنهم قد يجدون صعوبة في التعرف على شخصيات مثل إنخيدوانا، أول مؤلفة معروفة في التاريخ، أو سين-ليقي-ونيني، محرر ملحمة جلجامش.
جهود لإحياء الذاكرة: مستقبل علم الآشوريات
لحسن الحظ، هناك اتجاه ناشئ في علم الآشوريات يهدف إلى إنتاج أعمال علمية رصينة ولكنها في الوقت نفسه يسهل الوصول إليها وفهمها من قبل جمهور غير متخصص. كتاب "بين نهرين" هو جزء من هذا الاتجاه، ويهدف إلى جلب كنوز الشرق الأدنى القديم المنسية إلى انتباه الجماهير الحديثة.
خاتمة: إينيغالدي-نانا، رمز للإلهام
إينيغالدي-نانا لم تكن مجرد أميرة بابلية، بل كانت رائدة في مجال الحفاظ على التراث الثقافي. متحفها الأول يمثل بداية الوعي بأهمية الماضي وتأثيره على الحاضر. قصتها تلهمنا لاستكشاف تاريخنا وفهم جذورنا، وتذكرنا بأن الحضارة الإنسانية هي نتاج تراكم المعرفة والخبرات عبر الأجيال.
اترك تعليقاً