ابن باز وشرح النووي: تحقيق حول حكاية قراءة الستين مرة


العلامة عبد العزيز بن باز، قامة علمية وإمام جليل، ترك إرثًا عظيمًا من العلم والتقوى والجهود المباركة في خدمة الإسلام والمسلمين. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته. وقد أُلّفت في سيرته ومناقبه العديد من الكتب التي تبرز سعة علمه، وعمق عبادته، وإخلاصه في الدعوة إلى الله.

لطالما تداولت الأوساط العلمية والمحبون للشيخ ابن باز حكاية مفادها أنه سُئل عن أفضل كتاب قرأه، فأجاب: "شرح صحيح مسلم للنووي"، وأنه قرأه ستين مرة! وقد ترددتُ شخصيًا في نقل هذه الحكاية، لما فيها من دلالة على أهمية هذا الشرح النفيس، وسعة اطلاع الشيخ رحمه الله.

ولكن، بعد البحث والتحقيق، اتضح لي أن هذه الحكاية لا تصح، وأنها ربما تكون وهمًا من الناقل. فما هي الأدلة التي استندت إليها في هذا الاستنتاج؟ وكيف تتبعت أصل هذه الرواية؟ هذا ما سأوضحه في هذا المقال.

تتبع أصل الحكاية

بالبحث عن مصدر هذه الحكاية، وجدت أنها تعود إلى كتاب "سيرة وحياة العلامة الشيخ ابن باز" للشيخ إبراهيم بن عبد الله الحازمي، حيث نقلها عن مقال للدكتور خليل بن عبد الله الخليل نُشر في مجلة الرياض بعد وفاة الشيخ بيوم واحد. الدكتور الخليل ذكر في مقاله أنه سمع الشيخ ابن باز قبل أكثر من خمسة عشر عامًا يقول ذلك.

لاحقًا، نقل الدكتور عبد العزيز بن محمد السدحان هذه الحكاية في كتابه، وتتابع الكثيرون على ذكرها، إلا أن التدقيق في الأمر يثير بعض التساؤلات.

لماذا أشكك في صحة الحكاية؟

هناك عدة أسباب تجعلني أشكك في صحة هذه الحكاية:

  • تفرد الرواية: الدكتور خليل الخليل هو الوحيد الذي نقل هذه الحكاية، ولم يتابعه أحد من كبار طلاب الشيخ ابن باز أو أبنائه.
  • ظروف الشيخ ابن باز: كان الشيخ رحمه الله كفيف البصر، ومشغولًا بالتدريس والقضاء والإفتاء، مما يقلل من فرص قراءته لكتاب ضخم مثل شرح صحيح مسلم ستين مرة.
  • شهادة المقربين: الشيخ محمد بن موسى الموسى، مدير مكتب الشيخ ابن باز لمدة 17 عامًا، ذكر أهم الكتب التي كانت تُقرأ على الشيخ، ولم يذكر من بينها شرح صحيح مسلم للنووي.

أهمية شرح صحيح مسلم للنووي

لا شك أن شرح صحيح مسلم للنووي من أهم شروح الحديث النبوي الشريف. وقد بذل الإمام النووي رحمه الله جهدًا كبيرًا في توضيح معاني الأحاديث، وشرح غريبها، وبيان الأحكام الفقهية المستنبطة منها. وهو مرجع هام للمبتدئين والعلماء على حد سواء.

الخلاصة

على الرغم من أهمية شرح صحيح مسلم للنووي، ومكانة الشيخ ابن باز العلمية، إلا أن حكاية قراءته لهذا الشرح ستين مرة تبدو غير دقيقة. ويكفي في ترجمة الشيخ ابن باز ما ثبت عنه من الأخبار الصحيحة التي تدل على سعة علمه وفضله.

ختامًا: يجب علينا التحقق من صحة الأخبار والروايات قبل نشرها وتداولها، خاصة إذا كانت تتعلق بعلماء الأمة. فالحفاظ على الأمانة العلمية واجب علينا جميعًا. والله أعلم.

المصدر: موقع طريق الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *