اختلاف الفقهاء حول بداية خطبة عيد الفطر والأضحى: التحميد أم التكبير؟

اختلاف الفقهاء حول بداية خطبة عيد الفطر والأضحى: التحميد أم التكبير؟

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مقدمة:

تُعدُّ خطبة عيد الفطر والأضحى من الشعائر الإسلامية المهمة، والتي يحرص المسلمون على حضورها والاستماع إلى توجيهات الإمام. لكنّ هناك اختلافًا بين الفقهاء حول كيفية بدء هذه الخطبة، هل بالتحميد أم بالتكبير؟ سنتناول في هذا المقال آراء الفقهاء في هذه المسألة، مُستعرضين أدلَّتهم واختياراتهم، بالإضافة إلى بعض الأحكام المتعلقة بصلاة العيد وتكبيراتها.

اختلاف الفقهاء في بداية خطبة العيد:

اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في مسألة افتتاح خطبة عيد الفطر والأضحى، هل يبدأ الخطيب بالتحميد أم بالتكبير؟ فقد ذهب بعضهم إلى البدء بالتكبير، وآخرون إلى البدء بالتحميد، وثالثةٌ رأوا أن الأمر واسع، وجاز البدء بأيهما.

رأي من يرى البدء بالتحميد:

يرى جمهور الفقهاء، ومنهم الشافعية والحنابلة، أنّ خطبة العيد تُفتتح بالحمد لله والثناء عليه، والصلاة على النبي ﷺ، كما هو الحال في سائر الخطب النبوية. ويستدلون على ذلك بعدم وجود نصٍّ صريح عن النبي ﷺ يُبيّن بدء خطبة العيد بالتكبير، بالإضافة إلى أنّ الاستفتاح بالحمد هو السنة المتبعة في خطب النبي ﷺ في مختلف المناسبات. وقد ذهب إلى هذا الرأي علماء كبار أمثال ابن تيمية وابن القيم وابن رجب وابن باز، مستندين إلى أنّ النبي ﷺ لم يفتتح خطبةً بغير الحمد.

أمثلة من أقوال العلماء:

  • الإمام الشافعي: يُؤكّد أنّ التكبيرات ليست من الخطبة نفسها، بل مقدّمة لها.
  • ابن تيمية: يُشير إلى أنّ خطبة الجمعة تُفتتح بالحمد، وأنّ هذا هو الصواب في خطبة العيد أيضًا.
  • ابن القيم: يرى أنّ النبي ﷺ كان يفتتح خطبه كلها بالحمد.
  • ابن باز: يرى أنّ المشروع في خطبة العيد هو البدء بالحمد والثناء على الله، ثم الصلاة على النبي ﷺ، والشهادتين.

رأي من يرى البدء بالتكبير:

ذهب بعض الفقهاء، ومنهم طائفة من الأحناف والمالكية، إلى جواز البدء بخطبة العيد بالتكبير، وذلك استنادًا إلى بعض الأحاديث الضعيفة، أو باعتبار التكبير شعارًا للعيد، وأنّه يُسنّ الإكثار منه في هذا اليوم.

أمثلة من أقوال العلماء:

  • ابن نجيم (البحر الرائق): يذكر أنّ خطبة العيد تُفتتح بالتكبيرات.
  • القرافي (الذخيرة): يُشير إلى أنّ خطب الحج تُفتتح بالتكبير، ويُقاس عليها خطبة العيد.

ولكن، يجب التنويه إلى أنّ الأحاديث التي استُدلّ بها على جواز البدء بالتكبير تُعاني من ضعف في السند، ولا تُعتمد كدليل قاطع.

رأي من يرى أن الأمر واسع:

يرى بعض العلماء أنَّ الأمر واسع في هذه المسألة، وأنَّ البدء بالتحميد أو التكبير جائزٌ، وأنَّ الجمع بينهما يُعدّ حسنًا. وقد ذهب الشيخ ابن عثيمين إلى هذا الرأي، مُبيّنًا أنّه يمكن أن يجمع الخطيب بين التكبير والتحميد في بداية خطبته.

أحكام متعلقة بصلاة العيد وتكبيراتها:

عدد تكبيرات صلاة العيد:

يختلف عدد تكبيرات صلاة العيد باختلاف المذاهب الفقهية. فالحنفية يرون ثلاث تكبيرات في كل ركعة، والمالكية والحنابلة ست تكبيرات في الأولى وخمس في الثانية، والشافعية يرون سبع تكبيرات في الأولى وخمس في الثانية. وتُعدُّ هذه التكبيرات سُنّةً عند جمهور الفقهاء، إلا أنّ الحنفية يرونها واجبة.

وقت تكبيرات صلاة العيد:

يختلف الفقهاء أيضًا في وقت تكبيرات صلاة العيد، فبعضهم يرى أنَّها تكون قبل القراءة، وآخرون يرون أنها تكون بعدها.

رفع اليدين في تكبيرات صلاة العيد:

يختلف الفقهاء في حكم رفع اليدين في تكبيرات صلاة العيد، فبعضهم يرى رفع اليدين مع كل تكبيرة، والبعض الآخر يرى عدم رفعها إلا في تكبيرة الإحرام.

ما يُقال بين تكبيرات صلاة العيد:

يختلف الفقهاء في ما يُقال بين تكبيرات صلاة العيد، فبعضهم يرى السكوت، والبعض الآخر يرى الذكر والدعاء.

حكم من نسي تكبيرات صلاة العيد:

يختلف الفقهاء في حكم من نسي تكبيرات صلاة العيد، فبعضهم يرى الإتيان بها إن تذكرها قبل الركوع، وآخرون يرون عدم الرجوع إليها بعد البدء بالقراءة.

خاتمة:

في الختام، تبين لنا من خلال هذا العرض الموجز لآراء الفقهاء اختلافهم حول مسألة بداية خطبة العيد، إلّا أنّ الراجح هو البدء بالتحميد، لِما هو متّبع في خطب النبي ﷺ وسائر الخطب. كما أنّ التكبير يُعدّ من شعائر العيد، ويُسنّ الإكثار منه في هذا اليوم. ويجب على المسلم أن يتّبع ما يراه من أقوال العلماء أقرب إلى الصواب، وأن يُراعِي ما يُسهم في تحقيق الهدف من صلاة العيد، وهو تعظيم الله تعالى وشكر نعمه. والله أعلم.

المصدر: شبكة الألوكة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *