مقدمة: جوهر العبودية الدائمة
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. هذه الآية الكريمة تذكرنا بالغاية الأساسية من وجودنا: عبادة الله وحده لا شريك له. إن مرور مواسم الخير كالنفحات الربانية، كرمضان وعشر ذي الحجة، هي فرص ثمينة لتجديد العهد مع الله وزيادة رصيدنا من الحسنات. لكن هل ينتهي الأمر بانتهاء هذه المواسم؟ بالطبع لا! فالمؤمن الحق يسعى جاهداً لاستثمار كل لحظة في طاعة الله، مدركاً أن الحياة فرصة لا تعوض، وأن الخيارات أمامه واضحة: إما الفوز العظيم بالاستقامة، أو الخسران المبين بالانغماس في الشهوات.
لا تقتصر على المواسم: العبادة رحلة مستمرة
ليس من الحكمة أن يحصر المسلم اجتهاده في أوقات معينة من السنة، ثم يطلق العنان لنفسه بعد ذلك. فالعبادة ليست مجرد طقوس موسمية، بل هي رحلة مستمرة نحو الله، تتطلب منا الدوام والثبات.
أمور يجب أن يضعها المؤمن نصب عينيه:
- العبودية الدائمة: تذكر دائماً أنك عبد لله في كل زمان ومكان وحال. استمر في عبادة ربك ولا تقطع صلتك به ما دمت حياً. قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا}.
- العمل الصالح المقبول: اجعل هدفك أن يكون عملك صالحاً ومقبولاً عند الله، وذلك بالإخلاص له واتباع سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.
- الصلوات الخمس: حافظ على الصلوات الخمس المكتوبة، فهي عماد الدين وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة.
- دوام العمل الصالح: داوم على العمل الصالح، وإن كان قليلاً، فإنه أحب الأعمال إلى الله.
نماذج من الأعمال الصالحة التي يمكنك المداومة عليها:
- المحافظة على صلاة الجماعة.
- التبكير إلى الجمعة.
- أداء السنن الرواتب.
- ترديد الأذكار.
- تلاوة القرآن الكريم.
تحويل العادات إلى عبادات
اجعل حياتك كلها طاعة لله، حتى في العادات والمباحات، وذلك بالنية الحسنة واحتساب الثواب. فبالنية الصالحة، يستطيع المؤمن أن يحول كل تصرفاته المباحة إلى عمل صالح.
لا تنسَ العمل الذي يجري ثوابه بعد الموت
احرص على أن يكون لك عمل يجري ثوابه بعد الموت، كالصدقة الجارية، والعلم الذي ينتفع به، والولد الصالح الذي يدعو لك.
فقه العمل الصالح
لا تعجب بعملك ولا تغتر بما قدمته، بل ظل خائفاً من محبطات الأعمال ومنقصات الثواب، كالرياء وحب السمعة، وانتهاك حرمات الله في الخلوات، والاعتداء على حقوق الآخرين.
التحذير من تضييع الأوقات
اتقوا الله وتزودوا مما يقربكم إليه. احذروا تضييع الأعمار بالاشتغال بالدنيا والانصراف عن الآخرة. بادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تأتي الفتن أو يشغلكم المرض أو الهرم أو الموت.
المبادرة إلى العمل الصالح قبل الفوات
إن من توفيق الله للمؤمن أن يبادر إلى التزود لأخراه ما دام في عافية. فإنه إما أن يبتلى بفتن عامة ملهية، وإما أن يأتيه ما يشغله من خاصة نفسه، كالمرض والهرم وعوائق الحياة وشواغلها، ثم الموت الذي يحول بينه وبين العمل.
ختاماً:
فلنجعل من هذه المواسم نقطة انطلاق نحو حياة مليئة بالطاعة والعبادة، حياة نرضي بها ربنا ونفوز برضوانه وجنته. تذكروا دائماً أن العبرة ليست في البداية، بل في الثبات والاستمرار.
اترك تعليقاً