في زحمة الحياة وصخبها، غالبًا ما تغيب عن أعيننا اللحظات البسيطة التي تشكل جوهر سعادتنا الحقيقية. دعني أشاركك رحلة استكشاف لكنوز الماضي، حيث تتجلى قيمة الأيام العادية التي مرت مرور الكرام، تاركة وراءها حسرة دفينة على ما فقدناه من جمال لم ندركه في حينه.
ذكريات من زمن الرتابة الجميلة
تتداعى إلى ذهني صور لأمسيات اعتبرناها عادية، بل مملة في بعض الأحيان. تلك الأمسيات التي كنا نجتمع فيها حول الأريكة المريحة، بينما تراقص الستائر مع النسيم العليل. أتذكر حديقة جارتنا السورية، تلك المهووسة بالنباتات، وكيف كانت زهورها المتنوعة تضفي لمسة جمالية على أيامنا دون أن نوليها اهتمامًا كافيًا.
- الأمسيات العائلية: أفلام متتالية على شاشة التلفاز، ضحكات عفوية، وتعليقات ساخرة.
- مملكة المطبخ: ساعات أقضيها في إعداد وجباتكم المفضلة، بينما يتصاعد عبق القهوة ليملأ أرجاء المنزل.
- نصائح مكررة: شكواك من ضغوط العمل، واستماعي إليك بصبر مصطنع، كلمات مكررة أرددها بلا روح، ولكنها كانت تحمل في طياتها الكثير من الحب والاهتمام.
نهايات أسبوع مفعمة بالبهجة
أتذكر بحنين نهايات الأسبوع التي كنا نخصصها لإسعاد الصغار. كنا نختار مدن الملاهي بعناية فائقة، ونشاركهم المرح واللعب.
- ضحكات الأطفال: أصداء ضحكاتهم تملأ المكان، بينما نركب معهم العربات الكهربائية ونشاركهم فرحة الفوز.
- تسوق لا ينتهي: نهارات طويلة نقضيها في البحث عن القطع الصغيرة الملونة التي تضيف لمسة مميزة إلى ديكور المنزل.
- تفاصيل صغيرة: إضاءة خافتة تبعث على الاسترخاء، ومكتب زجاجي مزين بنقوش بيضاء اكتشفت مؤخرًا أنها تحمل كلمة "أحبك" بكل اللغات.
لحظات عابرة تحمل معاني عميقة
أتذكر صوت الموسيقى الهادئة التي كانت تنساب في كل مساء، لتختتم يومًا حافلًا بالعمل والتعب. أتذكر العصفور الصغير الذي كان يزورنا كل مساء، ليشرب من نافورة الماء في شرفتنا، ثم يودع النهار ويرحل.
- العصفور الزائر: كيف لم ننتبه إلى جمال هذه الزيارة اليومية؟ كيف لم ندرك أننا كنا نعيش في جنة صغيرة؟
- العمل المشترك: كيف لم نعلم أن جلستنا معًا، كل منكب على حاسوبه أو كتابه، هي من علامات النعيم؟
حسرة على جمال ضائع
ما زلت أحلم بتنورة زرقاء تشبه تنورة إحدى المصممات التي لم أعد أتذكر اسمها. بدأت ذاكرتي تخونني، وهذا ما يؤلمني حقًا، لأن كل تلك الأيام الجميلة التي لم ننتبه لجمالها في حينها ستُمحى للأبد.
كيف لم نكن سعداء حين امتلكنا كل أسباب السعادة؟ أنا غاضبة، كيف تركتني وحدي الآن ألوك حسرتي على ما خسرناه؟ كلما مرت السعادة بخاطري، مررت كشبح، كصورة باهتة عما مضى.
درس في قيمة اللحظات العادية
هل تعلم أن كل شيء انتهى تمامًا في اللحظة التي اعتدت فيها على حياتنا الرتيبة، بل إنني أحببتها؟ لماذا في هذه اللحظة ذاتها ينتهي كل شيء؟ تنتهي الرتابة والأيام العادية وينتهي الملل.
كيف لم ندرك حينها أن كل ذلك كان جميلاً بذاته، كان أجمل من كل قصائد الوله والاشتياق، وكان ملونًا أكثر من كل لوحات الفنانين، وكان يبدو كأغنية حتى ولو لم تُغنَّ. ما بيننا كان عاديًا حقًا، لكنه كان جميلاً ورائعًا، والمؤلم حقًا أنه انتهى.
اترك تعليقاً