الإخاء في الإسلام: قوة الوحدة وأساس التماسك الاجتماعي**

#

الإخاء في الإسلام: نبراس يضيء دروب التآلف والترابط

الإسلام دين شامل، لم يقتصر على العبادات والشعائر، بل امتد ليشمل جميع جوانب الحياة، ومن أبرز القيم التي رسخها هو قيمة الإخاء والمؤاخاة. هذه القيمة ليست مجرد شعار، بل هي أساس متين لبناء مجتمع قوي ومتماسك، مجتمع يشعر فيه كل فرد بأنه جزء لا يتجزأ من كيان واحد.

ما هي المؤاخاة في الإسلام؟

المؤاخاة في الإسلام تعني أن يعيش أفراد المجتمع في محبة وتآلف وترابط، يجمعهم شعور الأسرة الواحدة. يشعر كل فرد بأن قوة أخيه هي قوته، وضعفه هو ضعفه. إنها حالة من التكافل والتناصر، حيث يسعى الجميع لخير بعضهم البعض، ويقفون صفًا واحدًا في وجه التحديات.

النصوص الشرعية ودورها في ترسيخ قيمة الإخاء

لقد أولى الإسلام اهتمامًا بالغًا لقيمة الإخاء، وتضافرت النصوص الشرعية من القرآن والسنة على صقل هذه القيمة وإبراز أهميتها في بناء المجتمع المسلم.

  • في القرآن الكريم:

    • قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]. هذه الآية الكريمة تؤكد على أن الأخوة الإيمانية هي الرابط الأقوى الذي يجمع المسلمين، بغض النظر عن جنسياتهم أو ألوانهم أو أعراقهم.
    • قال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]. هذه الآية تذكرنا بنعمة الله علينا عندما وحد قلوبنا وجعلنا إخوة متحابين بعد أن كنا أعداء متناحرين.
  • في السنة النبوية:
    • المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار: بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، قام بالمؤاخاة بين المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم في مكة، والأنصار الذين استقبلوهم وآووهم في المدينة. كانت هذه المؤاخاة مثالًا رائعًا للتضحية والإيثار، حيث تقاسم الأنصار أموالهم وبيوتهم مع إخوانهم المهاجرين.
    • قال صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره». هذا الحديث الشريف يوضح حقوق الأخوة في الإسلام، ويحث على التناصر والتكافل بين المسلمين.

المؤاخاة: طريق التقدم والازدهار

إن المؤاخاة والحب والوئام بين أفراد المجتمع هي أساس التقدم والازدهار. فالمجتمع الذي يسوده التنافر والتباغض لا يمكن أن ينهض أو يتقدم.

محاربة كل ما يهدد الأخوة الإسلامية

حرص الإسلام على تحذير المسلمين من كل ما يهدد الأخوة الإسلامية، وحرَّم كل ما يؤدي إلى الفرقة والنزاع.

  • التحذير من السخرية والتعالي: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} [الحجرات: 11].
  • النهي عن التعريض بالعيوب والتفاخر بالأنساب: قال تعالى: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11].
  • تحريم الغيبة والنميمة وسوء الظن: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12].

الإصلاح بين المتخاصمين: دعوة إلى الوحدة والتآلف

حث الإسلام على الإصلاح بين المتخاصمين، وجعل ذلك من أفضل الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى ربه. قال صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟!»، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ».

حقوق الأخوة في الإسلام

رتَّب الإسلام على الأخوة مجموعة من الحقوق والواجبات التي يجب على كل مسلم أن يلتزم بها تجاه إخوانه المسلمين.

  • النصرة والمؤازرة: قال صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا».
  • عدم الظلم والخذلان: قال صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ».

خاتمة: نحو مجتمع إسلامي متراص البنيان

إن قيمة الإخاء في الإسلام هي أساس بناء مجتمع قوي ومتماسك، مجتمع يسوده الحب والتآلف والتكافل. فلنجعل من هذه القيمة نبراسًا يضيء لنا دروبنا، ولنسعَ جميعًا لترسيخها في مجتمعاتنا، حتى نكون خير أمة أخرجت للناس.

المصدر: موقع طريق الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *