مقدمة: حكمة الله في توزيع الأرزاق
الحمد لله الذي أنزل الشرائع لحفظ الحقوق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فتقوى الله هي الزاد الأفضل، وطاعته هي سبيل الفلاح، والتمسك بشريعته هو الضمان لحياة سعيدة ومستقرة. قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].
إن الله سبحانه وتعالى، عندما استخلف الإنسان في الأرض، مكّنه فيها وزوده بما يعينه على عمارتها، وجعل الأجيال تتوارث هذه الأرض وما عليها، فكل جيل يخلف الجيل الذي سبقه، ويكمل مسيرته في البناء والتطوير. ولما كانت الأموال والممتلكات عصب الحياة، فقد أحكم الله نظام المواريث، وفصّله في كتابه الكريم، ليضمن الحقوق ويمنع النزاعات.
الإرث في الإسلام: فريضة من الله
لقد أنزل الله تعالى ثلاث آيات مفصلة في سورة النساء لتنظيم المواريث، وبيان حقوق الورثة بدقة وعدل، وأكد سبحانه أن هذا الحكم هو فريضة منه على عباده، فقال بعد بيان ميراث الأبناء والبنات والآباء والأمهات: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 11]. وهذا يدل على أهمية هذا النظام وعظمته في الشريعة الإسلامية.
محاسن نظام الإرث في الإسلام
تتجلى حكمة الله وعدله في نظام الإرث الإسلامي، ويتضح ذلك من خلال عدة جوانب:
-
تولي الله قسمة الميراث:
إن الله تعالى هو الذي تولى قسمة الميراث بنفسه، وهو أحكم الحاكمين وأعدل العادلين. وقد جعل هذه القسمة في كتابه الكريم، يتلوها المسلمون ويتدبرونها، فيعرفون حكم الله في المواريث في كل مرة يقرؤون فيها آياتها. ولذا ختم الله تعالى آخر آية في المواريث بقوله: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176].
-
تطييب قلوب الحاضرين:
شرع الإسلام تطييب قلوب من حضروا القسمة من الأقارب وغيرهم ممن ليس لهم نصيب في الإرث، وذلك بقول حسن يرضيهم وإعطائهم شيئاً من المال يجبر خواطرهم. قال تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [النساء: 8].
-
حماية حقوق الضعفاء:
لم يحرم الإسلام الضعفاء من النساء والصبيان من الإرث، بل هم والكبار فيه سواء بحسب صلتهم بالمورث. قال تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7].
- في الجاهلية، لم تكن النساء والصبيان يرثون شيئاً، بل كان الميراث للرجال الأقوياء القادرين على حمل السيف.
- أما الإسلام، فقد كرم المرأة وأعطاها حقها في الإرث، وحفظ حق الصغار حتى يبلغوا الرشد.
-
إجازة الوصية بالثلث:
أعطى الإسلام الحق للمورث في الوصية بالثلث فما دونه، ليجعله في وقف على أعمال الخير التي تنفعه بعد موته، أو يوصي به لعزيز على قلبه، بشرط ألا يكون وارثاً. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».
-
مراعاة القرابة والحاجة:
راعى الإسلام قرابة الوارث من المورث، فجعل الأقرب أحظ بالإرث من غيره. كما راعى حاجة الورثة، فجعل حق الأولاد في الميراث أكثر من حق الوالدين، مع عظيم حق الوالدين، وذلك باعتبار أن الوالدين كبيران مدبران عن الدنيا فيكفيهم القليل منه، بينما الأولاد شباب وصغار مقبلون على الحياة، يحتاجون إلى نفقات بعد موت عائلهم.
الإرث في الإسلام: عدل لا مساواة
إن الالتزام بشرع الله تعالى في المواريث يقطع النزاع بين الورثة، ويزيل الضغائن والشحناء. فالعدل في الإسلام ليس هو المساواة المطلقة التي فرضت في القوانين الوضعية، بل هو إعطاء كل ذي حق حقه، مع مراعاة الفروق والاختلافات بين الناس.
فالزوج يرث النصف أو الربع، بينما ترث الزوجة الربع أو الثمن، وإذا اجتمع الأبناء مع البنات فللذكر مثل حظ الأنثيين. وسبب ذلك أن الإنفاق منوط بالرجال، وهم الذين يقومون برعاية النساء وكفايتهن وحمايتهن. قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].
خاتمة: شكر النعمة والتمسك بالشريعة
وبهذا نعلم أن بدعة المساواة بين الرجال والنساء مخالفة للإسلام، وضحيتها المرأة والأسرة. فوجب أن نشكر الله تعالى على شريعته التي هي عدل ورحمة للجميع.
وصلوا وسلموا على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم.
اترك تعليقاً