مقدمة: صدمة اغتيال أبو بكر سيسيه تكشف عن أزمة أعمق
أثار اغتيال أبو بكر سيسيه، الشاب المالي، في مسجد بفرنسا ردود فعل متباينة، كشفت عن حالة من الإنكار السياسي والإعلامي تجاه ظاهرة الإسلاموفوبيا. هذا المقال، المستند إلى تحليل معمق من "ميديا بارت"، يسلط الضوء على الأصول التاريخية لهذه الظاهرة وتجلياتها المعاصرة في المجتمع الفرنسي.
الإسلاموفوبيا: ليست وليدة اللحظة
الإسلاموفوبيا ليست ظاهرة جديدة في فرنسا، بل هي نتيجة لتراكمات تاريخية وسياسية، تعود إلى الحقبة الاستعمارية وتفاقمت بسبب فشل الليبرالية الجديدة. إنها تتجاوز مجرد الخوف من الإسلام، لتصبح أداة لرفض المساواة وتهميش المسلمين.
ردود فعل متأخرة ومخيبة للآمال
بعد اغتيال سيسيه، جاء رد فعل السلطات الفرنسية متأخراً وغير كافٍ. تأخر وزير الداخلية عن زيارة المسجد، وعدم ذكر اسم الضحية، والغياب عن المسيرة الصامتة، كلها مؤشرات على عدم احترام وازدراء المسلمين في فرنسا، الذين يمثلون 10% من سكان المناطق الحضرية.
الإسلاموفوبيا: شكل من أشكال العنصرية
تشير الدراسات إلى أن المسلمين هم الأكثر عرضة للتحيز في فرنسا، بعد الغجر، وقبل الصينيين واليهود والسود. هذا التحيز يتجاوز حرية التعبير عن الرأي، ليصبح شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز.
الإنكار الفرنسي للإسلاموفوبيا: جذور استعمارية
يرى المفكر رضا ضياء إبراهيمي أن إنكار الإسلاموفوبيا في فرنسا له جذور استعمارية. فالسلطات، برفضها الاعتراف بالماضي الاستعماري، تمنع أي تعويض وتنتهك الحاضر وتقسم المجتمع.
الإسلام: كبش فداء للتحيزات الاجتماعية
يقول عالم الاجتماع عبد المالك الصياد إن الإسلام يستخدم كـ "كبش فداء" للتحيزات الاجتماعية والعنصرية، تماماً كما كان لون البشرة يستخدم في الماضي.
"المشكلة الإسلامية": بناء اجتماعي وسياسي
اغتيال أبو بكر سيسيه ليس حادثاً معزولاً، بل هو تتويج لعملية طويلة من بناء "مشكلة إسلامية" في المجتمع الفرنسي. هذا البناء يهدف إلى تهميش المسلمين وتصويرهم كـ "عدو داخلي".
من إضرابات العمال إلى "قضية الحجاب": تاريخ من التمييز
منذ ثمانينيات القرن الماضي، ارتبط رفض المسلمين بآثار الليبرالية الجديدة ومسألة ما بعد الاستعمار. إضرابات العمال المهاجرين و"قضية الحجاب" في مجلة كريل عام 1989، كلها أمثلة على هذا التمييز.
دور الخطاب السياسي والإعلامي
التمثيلات السلبية للإسلام تنتشر في المجتمع الفرنسي من خلال الخطاب السياسي وقوانين الدولة ووسائل الإعلام. هذه التمثيلات، عبر الانقسامات الحزبية، تساهم في تهميش المسلمين وتصويرهم كـ "أقلية بامتياز".
قانون "الانفصال": استمرار للتهميش
من المناقشة حول الهوية الوطنية إلى قانون "الانفصال"، تواصل السلطات الفرنسية فرض المسلمين كـ "عدو داخلي" و"متطرف محتمل". هذا العنف في وصف المسلمين يذكرنا بالوحشية الاستعمارية.
الليبرالية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
فشل الليبرالية الجديدة دفع الأحزاب الحاكمة إلى تبني خطاب اليمين المتطرف، بهدف استمالة ناخبيه. هذا أدى إلى تسلل هواجس اليمين المتطرف إلى المجتمع بشكل أعمق.
نحو مستقبل أكثر عدلاً ومساواة
لمواجهة الإسلاموفوبيا، يجب على فرنسا الاعتراف بها وتسميتها، ومواجهة تاريخها الاستعماري، وإعادة تأسيس جمهورية تضمن المساواة أمام القانون لجميع المواطنين، دون تمييز على أساس الأصل أو العرق أو الدين.
اترك تعليقاً