الانقياد المطلق لأوامر الشرع: سبيل السعادة والفلاح
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
أهمية تقوى الله في الحياة
أوصيكم عباد الله، ونفسي بتقوى الله تبارك وتعالى، درعًا لكم في الشدة والرخاء، وفي السراء والضراء، فبها تُدفع المحن والبلايا والفتن، وبها تُبوأ الجنان. كما قال تعالى: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة: 197].
الإسلام: الاستسلام والانقياد لله
منَّ الله علينا بهداية الإسلام، خاتم الشرائع وأفضلها، وأرسل إلينا خاتم أنبيائه، وأنزل علينا أكمل كتبه. فمن لوازم قبولنا عنده ورضاه، الاستسلام والانقياد التام لشرعه. فمن لم يستسلم لله وينقاد لأوامره بالطاعة، ويتخلص من الشرك، فليس بمسلم.
تحديات الانقياد وتجاوزها
قد يجد البعض صعوبة في الانقياد لأوامر الشرع، خاصةً إذا خالفت رغباتهم، مما يُثير التردد والتقاعس في قلوبهم. وهذا أمرٌ لا يُستغرب من غير المسلمين، كما قال الله تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ [النساء: 89]. لكن الأدهى والأمر أن يقع بعض المسلمين في هذا المزلق، مُزنين أحكام الشرع بميزان عقولهم، مُقبلين على ما يُوافق أهواءهم، مُحرفين لما يخالفها. وهنا يكمن الخطر، إذ تصبح العقول حاكمة على الشرع، بدلًا من أن يكون الشرع هو الحاكم.
مخاطر الهوى والفتنة
يُحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مخاطر الهوى والفتنة، قائلاً: ((إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى))؛ رواه أحمد. فالفتنة كالنار، لا تُخلف إلا فسادًا وهلاكًا.
تعظيم أحكام الله: أساس الإيمان
تعظيم الله تعالى وتمجيده يتطلب تعظيم أحكامه ونصوص شرعه، كما قال ابن القيم رحمه الله: "أول مراتب تعظيم الحق عز وجل تعظيم أمره ونهيه". فالمؤمن الحقيقي يُعرف ربه بطاعته لأوامره، واجتنابه لنواهيه.
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في الطاعة والامتثال
لقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الطاعة والامتثال، كما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها: ((ما رأيت رسول الله منذ نزل عليه: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ [النصر: 1] يصلي صلاة إلا قال فيها: سبحانك ربي وبحمدك، اللهم اغفر لي)).
علامات تعظيم النصوص الشرعية
من علامات تعظيم النصوص الشرعية:
- التسليم الكامل: عدم الاختيار أو المشورة في قبول حكم الله تعالى، بل التسليم المطلق دون تردد أو شك، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 36].
- عدم الحرج: قبول الأحكام الشرعية برحابة صدر وطمأنينة نفس، كما في قوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].
- الامتناع عن البحث عن الحكمة: عدم التنطع في البحث عن الحكمة أو التعمق في ذلك، فذلك يُجرّ إلى الاعتراض على الأحكام الشرعية.
- الغضب لله: الغضب عند انتهاك محارم الله ومحاولة تغيير ما أمكن.
- الامتناع عن الخوض فيما لا علم به: الالتزام بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36].
خطورة النقاش والجدل في الدين
يُحذر من الخوض في نقاشات دينية دون علمٍ شرعيٍّ، فذلك يُؤدي إلى تحريف النصوص الشرعية، وإضعاف تعظيمها في النفوس.
العمل الصالح: ثمرة الإيمان
الأقوال الصالحة لا قيمة لها إلا مع الأعمال الصالحة، كما قال الحسن البصري: "ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي". فالعمل الصالح هو ما يرفع القول الحسن، كما في قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: 10].
سيرة الصحابة الكرام في الطاعة والامتثال
لقد ضرب الصحابة الكرام أروع الأمثلة في الانقياد لأوامر الله ورسوله، من امتثال للواجبات، وتعظيمٍ للمستحبات.
أمثلة من سيرة الصحابة
- أبو بكر الصديق رضي الله عنه: تطبيقه الفوري لآية العفو والصفح.
- عمر بن الخطاب رضي الله عنه: وقوفه عند كتاب الله، وتطبيقه لأوامره.
- عبدالله بن رواحة رضي الله عنه: حرصه على طاعة الله ورسوله.
- عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: اجتهاده في الصلاة والعبادة.
- البخاري رحمه الله: امتناعه عن الغيبة.
- الإمام أحمد رحمه الله: عمله بما رواه من أحاديث.
خاتمة
يا عباد الله، إن الانقياد المطلق لأوامر الشرع هو سبيل السعادة والفلاح، فلتسلموا لله تسليمًا كاملًا، واعملوا بما تعلمون، وتذكروا الله دائمًا، والله ولي التوفيق.
﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [الن
اترك تعليقاً