الحمد لله الذي جعل المساجد خير بقاع الأرض، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شرّف بيوته لكل راكع وساجد. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد، فيا أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإن الفوز في أن تتقوا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا.
إن يوم الجمعة يوم عظيم، خصّ الله به هذه الأمة المرحومة، ومنحه خصائص عظمى ومزايا كبرى. فهو خير الأيام وأفضلها، ويكفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَومَ القِيَامَةِ، بَيْدَ أنَّهُمْ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذا يَوْمُهُمُ الذي فُرِضَ عَليهِمُ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيِه تَبَعٌ اليَهُودُ غَدًا، والنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ». (متفق عليه).
فضل يوم الجمعة ومكانته في الإسلام
يوم الجمعة، يوم اجتمعت فيه الخصائص وتنوعت فيه الفضائل، فهو خير الأيام وعيد الأسبوع. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا». (رواه مسلم).
- أفضل الأيام: يوم الجمعة هو خير يوم طلعت عليه الشمس، لما فيه من البركة والخير.
- عيد الأسبوع: يمثل يوم الجمعة عيدًا أسبوعيًا للمسلمين، يجتمعون فيه لعبادة الله.
- أحداث عظيمة: شهد هذا اليوم أحداثًا عظيمة في تاريخ البشرية، منها خلق آدم ودخوله وخروجه من الجنة.
أهمية صلاة الجمعة
صلاة الجمعة من آكد فروض الإسلام، يجتمع لها المسلمون لتزكية نفوسهم وتآلف جموعهم وتصافي قلوبهم. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9]. وصلاة المسلم في هذا اليوم كفارة لما بين الجمعتين، قال صلى الله عليه وسلم: «الصَّلاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ». (رواه مسلم).
- فرض مؤكد: صلاة الجمعة فريضة واجبة على كل مسلم مستوف للشروط.
- اجتماع وتآلف: يجتمع المسلمون في هذا اليوم لتوحيد الصفوف وتعزيز الأخوة.
- كفارة للذنوب: صلاة الجمعة كفارة لما بينها وبين الجمعة التي تسبقها من الذنوب الصغائر.
التحذير من ترك صلاة الجمعة
لما كانت صلاة الجمعة بهذه المرتبة العظيمة والمنزلة الرفيعة، حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم تاركها والمفرط فيها بالطبع على قلبه والبعد عن رحمة ربه، فقال: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ – أَيْ: تَرْكِهِمُ- الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ». (رواه مسلم). وترك الجمعة من غير عذر كبيرة من كبائر الذنوب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَرَكَ ثلاثَ جُمَعٍ تَهَاوناً بِهَا طَبعَ اللهُ عَلى قلبِهِ». (رواه أبو داود).
- تحذير شديد: ترك صلاة الجمعة من غير عذر يترتب عليه خطر عظيم، وهو الطبع على القلب والغفلة.
- إثم كبير: ترك صلاة الجمعة من غير عذر يعتبر من كبائر الذنوب.
آداب يوم الجمعة وسننها
للجمعة آداب عديدة رتب عليها الشارع أجوراً جليلة مضاعفة. فالمشروع للمسلم أن يمشي إليها بسكينة ووقار، ويبادر إلى الصف الأول قرب الإمام، ويصلي ما كتب الله له، ويشتغل بما ينفعه من القرب وقراءة القرآن. قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا». (رواه الترمذي وغيره).
أهم آداب وسنن يوم الجمعة:
- الاغتسال: الاغتسال سنة مؤكدة في يوم الجمعة.
- التطيب والسواك: يسن التطيب واستخدام السواك قبل الذهاب إلى المسجد.
- التبكير: التبكير إلى المسجد من أفضل القربات، والملائكة تكتب أسماء المبكرين.
- المشي بسكينة ووقار: يجب المشي إلى المسجد بسكينة ووقار وتجنب الإسراع.
- الدنو من الإمام: يفضل الجلوس في الصفوف الأولى بالقرب من الإمام للاستماع الجيد للخطبة.
- الإنصات للخطبة: يجب الإنصات التام للخطبة وعدم الانشغال بأي شيء آخر.
- تجنب أذى المصلين: يجب تجنب تخطي الرقاب وإيذاء المصلين.
- الإكثار من الدعاء: يوم الجمعة فيه ساعة إجابة، لذا يستحب الإكثار من الدعاء.
- قراءة سورة الكهف: يسن قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة.
ساعة الإجابة في يوم الجمعة
احرصوا في هذا اليوم على كثرة الدعاء، رجاء إصابة ساعة الإجابة. ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ فِي الْـجُمُعَةِ لَسَاعَةً، لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ، قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللهَ خَيْرًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ». فاجتهدوا -رحمكم الله- في هذا اليوم الفضيل، واغتنموا نفحات ربكم الجليل، وبادروا بالأعمال قبل يوم الرحيل.
اللهم صل وسلم على محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وعلى آله وأزواجه الطيبين وصحابته الغرر، ومن سار على هديهم إلى يوم المحشر.
اترك تعليقاً