الحج: الموسم الأكبر.. دروس وعبر في رحاب بيت الله الحرام
مواسم الخير تتوالى علينا، تحمل في طياتها دروساً وعِبراً، وتُذكرنا بنِعم الله التي لا تُحصى. بعض هذه المواسم يرتبط بأزمنة محددة، وأخرى بأحداث جلية، وبعضها يجمع بين الأمرين. ومن بين هذه المواسم، يتربع الحج على القمة، كونه الموسم الأكبر والأعظم، الذي اختصنا الله به. فلنتأمل معاً بعض معالمه الجديرة بالإبراز:
معالم موسم الحج المبارك:
1. التوحيد الخالص: أساس الدين وقوامه
الحج تأكيد عملي على توحيد الله سبحانه وتعالى في كل شيء: في الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات. إنه إعلان صريح بأن الله هو الخالق، الرازق، المدبر، المستحق للعبادة وحده لا شريك له.
2. اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم: النور والقدوة
الحج تجسيد حي للثبات على متابعة هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به في كل المناسك. فالحاج يسعى جاهداً لأداء العبادات كما أداها النبي صلى الله عليه وسلم، اقتداءً وتأسياً.
3. السير على نهج الأنبياء: شعور بالعراقة والانتماء
الحج رحلة عبر الزمان، تعيدنا إلى طريق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. يا لها من شعيرة عظيمة تجعل المسلم يمشي على خطى أكرم خلق الله! وما أرفعه من شعور بالعراقة والانتماء إلى أمة الأنبياء والمرسلين! وما أبلغه من درس يعلِّم المسلم أنه أولى بأنبياء الله من غيره!
4. وحدة المسلمين واستقلاليتهم: قوة الأمة وعزتها
الحج تكرار لمفاهيم وحدة المسلمين، وتأكيد على استقلالية الأمة عن أي تبعية. الأصل في الأمة الإسلامية أن تقود وتلفت النظر، لا أن تكون تابعة أو منقادة.
5. التسليم لأمر الله واليقين بتدبيره: دروس في الصبر والرضا
الحج تذكير بمعانٍ عظيمة، منها تسليم إبراهيم عليه السلام لأمر مولاه على صعوبته، ويقين هاجر رحمها الله بقضاء ربها وتدبيره بلا جزع. إنه درس في الصبر والرضا، والثقة بالله في كل الأحوال.
6. الثبات على الحق: رغم التحديات والمصاعب
الحج غرس لمركزية الثبات على الحق في النفوس، فمهما تعرض الدين وشعائره للتشويه والتضييق؛ فسوف تظل النفوس متشبثة بدينها، متطلعة إلى اليوم الذي تؤدي فيه فريضة الركن الخامس.
7. المسؤولية والحذر من المعصية: في الزمان والمكان المحرم
ينمو لدى المسلم خلال الحج حس المسؤولية والحذر من المعصية وشؤمها، خاصة في مكان محرم، وزمان محرم. وما أجلَّ إحياء هذه العبادة في البقعة الآمنة المؤمنة لمن دخلها وبلغ إليها!
8. المشاركة الوجدانية والفعلية: تعزيز روح الأخوة
تشارك الأغلبية المقيمة في البلاد إخوانهم من الأقلية الموافية للموسم الميمون، وهي مشاركة فعلية ببعض العبادات، ومشاركة وجدانية فرحاً بالطاعة والاجتماع، ومشاركة بالمتابعة والدعاء بالسلامة والقبول.
خاتمة: موسم فريد يستحق الإشهار
يا له من موسم فريد! ولذا فليس بكثير أن نصفه بالموسم الأكبر؛ إذ جمع كثيراً من الأحكام الشرعية الفقهية، وفيه من الحِكَم والدلائل ما ينبغي إشهاره، وإذاعته بين الناس، كي يجعل الحج منهم أرواحاً حية، وعقولاً يقظة، ونفوساً زكية، وأجساداً لا تعرف الكلل، وعزائمَ لا يدركها وهن، ولا تلهيها شهوة أو شقاق. فالحج ليس مجرد رحلة، بل هو تحول روحي وعقلي، يترك أثراً عميقاً في نفس الحاج، ويجعله أكثر وعياً بمسؤوليته تجاه دينه وأمته.
اترك تعليقاً