النصيحة الأثمن التي تركها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هي اتباع سنته والاقتداء به في كل شؤون حياتنا، مصداقًا لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]. وفي فريضة الحج، يتجلى هذا الاتباع بأجلى صوره.
غالبًا ما ننشغل بأحكام الحج وفقهياته، وهذا أمر ضروري، لكن يجب ألا يطغى على الجوانب الروحانية والمعاني العميقة التي تجسدت في حج النبي صلى الله عليه وسلم. هذه المقالة تسعى لإلقاء الضوء على جوانب مهمة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الحج، لعلها تكون زادًا للمتأسين به والسائرين على دربه.
تنبيه: نظرًا لوفرة التفاصيل المتعلقة بصفة حجه صلى الله عليه وسلم، لن نركز عليها هنا، بل سنكتفي بإبراز جوانب أخرى مهمة، مع الإقرار بأن الموضوع أوسع من أن تحيط به مقالة واحدة.
المحور الأول: أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في الحج مع ربه
لم تشغل النبي صلى الله عليه وسلم مسؤولياته الجسام في تعليم الحجيج وقيادتهم عن التواصل العميق مع ربه والانكسار بين يديه. تجلى ذلك في صور عديدة:
-
تحقيق التوحيد الخالص:
- التلبية: لازَم النبي صلى الله عليه وسلم التلبية، شعار التوحيد الخالص، منذ بداية النسك وحتى رمي جمرة العقبة.
- الإخلاص في العمل: دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يجنبه الرياء والسمعة، وهذا يعكس مدى حرصه على إخلاص العمل لله وحده.
- الدعاء بالتوحيد: على الصفا والمروة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه بالدعاء، موحدًا لله ومكبرًا له.
-
البراءة من المشركين:
- مخالفة المشركين: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على مخالفة المشركين في كثير من شعائر الحج، متبعًا سنة إبراهيم عليه السلام.
- خطبة عرفة: أعلن النبي صلى الله عليه وسلم براءته من أعمال الجاهلية، مؤكدًا أن كل ما يتعلق بها موضوع تحت قدميه.
- التلبية الخالصة: نقّى النبي صلى الله عليه وسلم التلبية من شوائب الشرك، وجعلها خالصة لله وحده.
- الوقوف بعرفة: خالف النبي صلى الله عليه وسلم كفار قريش الذين كانوا يقفون في مزدلفة، ووقف مع الناس بعرفة.
- الإفاضة من مزدلفة: أفاض النبي صلى الله عليه وسلم من مزدلفة قبل طلوع الشمس، مخالفًا بذلك المشركين.
-
كثرة التضرع والدعاء:
- الدعاء عبادة: الدعاء هو جوهر العبادة، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم منه أوفر الحظ والنصيب في الحج.
- مواطن الدعاء: دعا النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف، وعند الصفا والمروة، وفي عرفة، ومزدلفة، وأيام التشريق.
- الذكر الدائم: لم يفارق ذكر الله لسان النبي صلى الله عليه وسلم طوال فترة الحج، من تلبية وتكبير وتهليل وتسبيح وتحميد.
- أهمية الذكر: أعمال الحج وشعائره شُرعت لإقامة ذكر الله، وهو من أعظم مقاصد الحج.
-
التوقف عند حدود الله:
- التقوى: الوقوف عند حدود الله هو غاية التقوى ودليل الإيمان.
- عدم الحل من الإحرام: لم يُحِلَّ النبي صلى الله عليه وسلم من إحرامه مراعاة لأصحابه، لأنه ساق الهدي، وهذا دليل على تعظيمه لحدود الله.
- الحرص على إتمام النسك: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إتمام النسك، حتى في أصعب الظروف.
-
الخشوع والسكينة:
- حضور القلب: كان النبي صلى الله عليه وسلم حاضر القلب، غير متشاغل بشيء عن نسكه، خاضعًا لربه.
- سكون الجوارح: كان النبي صلى الله عليه وسلم خاشع الجوارح، يسير بسكينة ووقار، ويؤدي مناسكه بتؤدة واطمئنان.
-
الاستكثار من الخير:
- المستحبات: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على المجيء بمستحبات النسك، مثل الاغتسال للإحرام، والتطيب، وإشعار الهدي، والإكثار من التلبية، وبدء الطواف بالبيت، والرمل، والاستلام، وصلاة ركعتي الطواف، والدعاء على الصفا والمروة، والسرعة في بطن الوادي، والذكر عند استلام الركنين ورمي الجمار.
-
التوازن والاعتدال:
- الوسطية: خير الأمور الوسط، وقد تجلى التوازن والاعتدال في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الحج.
- الموازنة بين الروح والجسد: اعتنى النبي صلى الله عليه وسلم بجسده، وتناول الطعام، ونام، واستراح، ليكون قادرًا على أداء العبادة بحضور قلب وخشوع.
-
الزهد في الدنيا:
- الإعراض عن الدنيا: كان النبي صلى الله عليه وسلم زاهدًا في الدنيا، معرضًا عما لا ينفع في الآخرة.
- مظاهر الزهد: حج النبي صلى الله عليه وسلم على رحل رث، وأردف معه غيره على راحلته، ولم يتميز عن الناس بشيء، وقرَّب مائة بدنة، وجمع بين الهدي والأضحية.
المحور الثاني: أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في الحج مع أمته
قام النبي صلى الله عليه وسلم بتعليم الناس وقيادتهم في آن واحد، وكل أحواله والوظائف التي قام بها مع أمته دالة على عظمته وعلو مرتبته:
-
التعليم:
- المعلم الميسر: بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم "معلمًا ميسرًا"، وقد بلغ الغاية في ذلك.
- الحرص على البلاغ: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على البلاغ وإقامة الحجة على الخلق، وشجعهم على التعلم.
- تنويع أساليب الخطاب: نوع النبي صلى الله عليه وسلم أساليب الخطاب وطرق التعليم، وأمرهم بأخذ المناسك عنه.
- التبليغ عن النبي: اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم من يبلغ عنه، وأرسل الرسل لذلك.
- أحكام المناسك: اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بتعليم الناس أحكام المناسك، وجمع بين البيان والتطبيق العملي.
- منزلة أركان الإسلام: بين النبي صلى الله عليه وسلم منزلة أركان الإسلام ومبانيه العظام.
- خطورة الشرك: بين النبي صلى الله عليه وسلم خطورة الشرك وبعض المحرمات العظام.
-
الإفتاء:
- تبيين المشكل: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجيب عن استفسارات الناس ويبين لهم المشكل من الأحكام.
- التيسير: جنح النبي صلى الله عليه وسلم إلى التيسير في فتاويه والتخفيف على ذوي الحاجات.
- الإقناع: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الإقناع لمن يستفتيه.
- الصبر: صبر النبي صلى الله عليه وسلم على السائلين واحتماله لأذاهم مع الرفق والرحمة بهم.
-
الوعظ:
- المرشد: بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم مبشرًا ونذيرًا، فأرشد أمته إلى الخير ورغبها فيه، ونهاها عن الشر ورهبها منه.
- موضوعات الوعظ: تناول وعظ النبي صلى الله عليه وسلم موضوعات عدة، مثل التزهيد في الدنيا، والأمر بالتقوى، وبيان المسؤولية الفردية، والترغيب في ترك الفسوق، والتحذير من الغلو، والوصاية بالضعفاء.
-
توحيد الأمة:
- الوحدة: كان الحج فرصة لتوحيد الأمة وتحذيرها من الفتنة ودواعي الفرقة.
- التسوية بين الأفراد: سوّى النبي صلى الله عليه وسلم بين أفراد الأمة، ولم يميز بينهم إلا بالتقوى.
- السمع والطاعة: أمر النبي صلى الله عليه وسلم
اترك تعليقاً