مقدمة: بين تصريحات نتنياهو و"الشرق الأوسط الجديد"
"إسرائيل تقوم في الوقت الحالي بتغيير وجه الشرق الأوسط." هذا ما صرّح به بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، قبل أشهر. ورغم عدم تفصيله لطبيعة هذا التغيير أو استراتيجيته لتحقيقه، إلا أن مصطلح "الشرق الأوسط الجديد" بدأ يتردد بكثرة في وسائل الإعلام وعلى ألسنة المسؤولين الإسرائيليين، خاصة بعد أحداث "طوفان الأقصى" وما تلاها من حرب على غزة.
يثير هذا التساؤلات: ما هو المقصود بـ "الشرق الأوسط الجديد"؟ هل هو مشروع لإعادة تقسيم جغرافي للمنطقة؟ أم مجرد تغيير في الأنظمة؟ وكيف يختلف عن مشروع "الشرق الأوسط الكبير" الذي طرح في التسعينيات؟ وما هي فرص نجاح هذا المشروع الجديد، وهل بالفعل حانت لحظة التغيير الكبرى في المنطقة؟
حسابات الفرصة الصهيونية: طوفان الأقصى وتأثير ترامب
يبدو أن نتنياهو يرى في هذه اللحظة فرصة تاريخية للتغيير، وهذا الشعور ينبع من اعتبارين رئيسيين:
- تداعيات طوفان الأقصى: وما أعقبه من حملة عسكرية واسعة في غزة، وإضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة من خلال الاغتيالات التي طالت شخصيات بارزة.
- عودة محتملة لدونالد ترامب: وصول ترامب، الرئيس الذي يتميز بعدم الالتزام بالتقاليد السياسية، إلى رئاسة أقوى دولة في العالم اقتصاديًا وعسكريًا، يمثل فرصة للكيان المحتل والحركة الصهيونية للدفع بمشروعهم "الشرق الأوسط الجديد".
لفهم هذه الرؤية الصهيونية لمستقبل المنطقة، يجب تحليل المشاريع الغربية والصهيونية السابقة، وأهدافها، ومدى نجاحها.
المشروعات الاستعمارية السابقة: من سايكس بيكو إلى "الإبراهيمية"
الخريطة الحالية للشرق الأوسط رُسمت قبل قرن من الزمان، عبر اتفاقية "سايكس بيكو" عام 1916، ثم مؤتمر "سان ريمو" عام 1920. هذه الاتفاقيات قسمت المنطقة بين بريطانيا وفرنسا، وتم تنصيب أنظمة موالية للغرب، وزرع الكيان الصهيوني في قلب المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، تم الترويج لمفاهيم جديدة للإسلام، مثل "الإسلام الليبرالي" أو "الإسلام الأمريكي"، في محاولة لتغريب المجتمعات الإسلامية والتلاعب بمفاهيم الإسلام نفسه.
إذن، المشروعات الاستعمارية كان لها بُعدان:
- بعد جغرافي: يهدف إلى تقسيم المنطقة ورسم الحدود.
- بعد فكري: يهدف إلى تغريب المجتمعات الإسلامية والتلاعب بمفاهيم الإسلام.
بعد انتقال الزعامة إلى أمريكا، استمر الحديث عن إعادة رسم الخريطة وتغيير المفاهيم، خاصة مع بروز الكيان الصهيوني وطموحه في الهيمنة. وظهرت مشاريع جديدة مثل مشروع بيرنارد لويس وكتابات رالف بيترز (حدود الدم).
ثم جاءت الدعوة إلى "الإبراهيمية"، وهي مشروع يرتكز على:
- الفكرة: التركيز على المشترك بين الإسلام والمسيحية واليهودية.
- الحاملون: رجال دين وعلماء وسياسيون ودبلوماسيون وجماعات صوفية.
- الاستراتيجية: استخدام "الدبلوماسية الروحية" لتغيير النظرة السلبية للمشاريع الصهيونية.
من أوسلو إلى الدولة الإسرائيلية العظمى: تطور الإستراتيجية الصهيونية
مع منتصف الثمانينيات، بدا أن الدولة الصهيونية قد استقرت، ولكن اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 أجبر الدولة الصهيونية على إعادة التفكير في حل للمشكلة الديموغرافية، فظهر حل الفصل ومسألة الدولتين.
اتفاقية "أوسلو" أعلنت عن إستراتيجية صهيونية جديدة تستبدل "الدولة الإسرائيلية الكبرى" بـ "الدولة الإسرائيلية العظمى"، والتي تقوم على:
- دولة لليهود ذات حدود يتم التفاوض عليها.
- هيمنة هذه الدولة على المنطقة بأدوات مختلفة.
بعد تعثر مفاوضات كامب ديفيد واندلاع الانتفاضة الثانية، ظهرت حاجة الصهيونية إلى مشروع إستراتيجي جديد يحافظ على وجود الدولة اليهودية في مواجهة التهديدين الفلسطيني والديموغرافي.
حاول اليمين الصهيوني بزعامة شارون طرح مشروع يجمع بين "الدولة الإسرائيلية العظمى" و "الدولة الإسرائيلية الكبرى"، ولكنه تضمن فكرة إلغاء حل الدولتين، واستبدال ذلك بترك تحديد مستقبل الفلسطينيين للمفاوضات الدائمة، وفصل قطاع غزة والتعامل معه عسكريًا.
جاء نتنياهو ليكرس هذا المشروع، مع إضافة الاستيطان في الضفة الغربية، وتفعيل مشروع الدولة الصهيونية العظمى من خلال التطبيع مع المحيط الإقليمي.
الإستراتيجية الأمنية الصهيونية: ثمانية مفاهيم أساسية
قام الكاتب الصهيوني ديفيد رودمان بتجميع الإستراتيجية الأمنية الصهيونية في ثمانية مفاهيم أساسية:
- الجغرافيا
- القوة البشرية
- الكم ضد الكيف
- المناورة الهجومية
- الردع
- التهديدات التقليدية وغير التقليدية
- الاعتماد على الذات
- مساندة القوى العظمى
هذه المفاهيم تترتب على بعضها، فالجغرافيا وافتقاد الكيان الصهيوني للعمق الإستراتيجي يترتب عليه اعتماد المناورة الهجومية، وهكذا.
طوفان الأقصى يكسر الهدوء: الحاجة إلى مخطط جديد
"طوفان الأقصى" كسر الهدوء الذي كان يطمح إليه الكيان الصهيوني، مما استدعى تغيير الاستراتيجيات والتفكير في مخطط جديد.
ملامح مشروع نتنياهو الجديد: تهجير وتوسع وهيمنة
محاولة لتجميع الصورة من التصريحات والأدبيات المتاحة:
- ترامب: تحدث عن تهجير أهل غزة وتحويلها إلى منطقة سياحية عالمية، وألمح إلى أن الكيان الصهيوني يحتاج إلى أن يكون أكبر.
- نتنياهو: صرح بأن قواته غيرت وجه الشرق الأوسط، وأن الحرب ليست في غزة فقط، وأن نتائجها ستكون واضحة لأجيال قادمة، وأن ما يحدث يعد "هزة أرضية لم تشهدها المنطقة منذ اتفاق سايكس بيكو".
- خريطة نتنياهو في الأمم المتحدة: خريطة تظهر الدول التي تربطها اتفاقات سلام مع الكيان الصهيوني، ولا تشمل أي ذكر لدولة فلسطينية، وتشمل سهماً أحمر يشير إلى خط تجاري سيربط الشرق الأقصى بأوروبا عبر الكيان الصهيوني.
- تصريحات سموتريتش وبن غفير: سموتريتش ينفي وجود الشعب الفلسطيني، وبن غفير يفخر بتدنيس المسجد الأقصى وقيادة التغيير فيه.
المشروع الصهيوني المعلن: محو فلسطين وتهويد الأقصى
التحالف بين الصهيونية السياسية والدينية أنتج مشروعاً استراتيجياً يتضمن:
- في الداخل الفلسطيني: محو اسم فلسطين من الخارطة، وتهجير الفلسطينيين، واستيطان اليهود مكانهم، وتهويد الأقصى وإزالته وإقامة الهيكل مكانه.
- في دول الجوار: الضغط على الأنظمة المجاورة وتهديدها بعمل عسكري إذا لم تتكيف مع المشروع الصهيوني.
- في الدائرة الإقليمية: التفوق العسكري والتكنولوجي، ومنع صعود أي قوة إقليمية تنافس الكيان، وإدخال كل دول الإقليم في حلف اقتصادي بقيادة الكيان.
باختصار، يريد نتنياهو إعادة صياغة النظام الإقليمي برمته.
مواجهة المشروع الصهيوني: دعم المقاومة وتوحيد الرؤى
لمواجهة هذا المشروع الخطير، يجب:
- دعم المقاومة الفلسطينية والوقوف خلف صمود أهل غزة.
- بلورة تصور عربي أو إسلامي مشترك لمستقبل المنطقة من منظور المصالح الإستراتيجية للأمة الإسلامية.
لحظة التغيير في المنطقة يجب أن تكون إسلام
اترك تعليقاً