العشر من ذي الحجة: فرصة عظيمة لتزكية النفس وتربية الروح

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

رحمة الله الواسعة وعظمة حلمِه

عباد الله، كم هي عظيمة رحمة الله بنا، رغم كثرة تقصيرنا ومعاصينا! لو عاقبنا الله بما نستحق من عقوبة، لما بقي أحد على وجه الأرض، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [فاطر: 45]. ولكن الله -عز وجل- بإحسانه ورحمته، يمهلنا ويرحمنا، ويمنحنا فرصًا متكررة للتوبة والرجوع إليه.

العشر من ذي الحجة: محطة إيمانية عظيمة

ومن هذه الفرص العظيمة التي يمنحها الله لعباده، أيام العشر من ذي الحجة، أيام مباركة تحمل في طياتها بركةً خاصةً وأجرًا مضاعفًا. يجب على المسلم أن يستغل هذه الأيام المباركة في بناء نفسه وتزكية روحه، كما قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس: 9، 10]. وتتطلب تزكية النفس جهودًا في جوانب متعددة: الإيمان والعقيدة، والعبادات والطاعات، والأخلاق ومعاملة الآخرين.

عهد الله وميثاقه على عرفة

في يوم عرفة تحديدًا، أخذ الله الميثاق من آدم -عليه السلام- ومن ذريته على توحيده وعبادته، كما ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم. يُعد هذا اليوم فرصةً عظيمة لتجديد العهد مع الله، والحفاظ على التوحيد، وعدم الشرك به، والعمل على رضا الله تعالى في القول والفعل والنوايا. قال تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ﴾ [المائدة: 72].

أفضل الأعمال في العشر من ذي الحجة

تُعد العشر من ذي الحجة من أفضل الأيام للعمل الصالح، فالأعمال الصالحة فيها مضاعفة الأجر والثواب. وقد روى البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، يعني أيام العشر". وقد فضل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأيام حتى على الجهاد، إلا في حالاتٍ استثنائية.

أمثلة على الأعمال الصالحة في العشر من ذي الحجة:

• الصلاة جماعة: الصلاة في المسجد مع الجماعة.
• الصيام: صيام يوم عرفة على وجه الخصوص، فهو يكفر سنتين.
• الذكر والدعاء: الاستغفار والتسبيح والتهليل، والدعاء الصادق.
• قراءة القرآن: قراءة القرآن الكريم بتدبر وتفكر.
• الصدقة: إخراج الصدقات وصلة الأرحام.
• الحج: أداء فريضة الحج لمن استطاع إليه سبيلا.

فضل يوم عرفة

يُعد يوم عرفة من أعظم أيام السنة، فيه يباهي الله ملائكته بحجاج عرفة، و فيه يغفر الله لعباده. وقد روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "صيام عرفة يُكَفِّر سنتين".

تربية النفس والأخلاق الحميدة

في هذه الأيام المباركة، يُنصح المسلم بتنمية أخلاقه والتعامل الحسن مع الآخرين، برحمةٍ مع الصغار، وتوقيرٍ للكبار، وإحسانٍ للمحتاجين، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والعفو عن من ظلم. فمن أحسن معاملة الناس أحبه الله وأحبه الناس.

خاتمة

عباد الله، لنغتنم هذه الأيام الفضيلة في تعظيم الله، وتزكية أنفسنا، والعمل الصالح، راجين من الله أن يتقبل منا صالح أعمالنا، ويغفر لنا ذنوبنا، ويصلح أحوالنا، إنه على كل شيء قدير. اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المصدر: شبكة الألوكة