الفاعلية: نبراس يضيء طريق التأثير في ضوء الوحي
إن قيمة أي قضية وأهميتها تتجلى بوضوح في مدى حضورها في خطاب الوحي، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فإذا أردت أن تدرك مكانة أمر ما، فابحث عنه في آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي المصطفى. هذا المقياس السماوي يعيد ترتيب أولوياتنا واهتماماتنا، ويضعها في نصابها الصحيح.
ومن القضايا المحورية التي أولاها القرآن الكريم اهتمامًا بالغًا: قضية الفاعلية. وهي تعني التأثير الإيجابي في المجتمع، والسعي الدائم نحو الخير والإصلاح.
مظاهر اهتمام الوحي بالفاعلية
لقد تجلت أهمية الفاعلية في القرآن والسنة من خلال عدة مظاهر، منها:
-
تنوع المفاهيم المرتبطة بالفاعلية: نجد في الوحي مفاهيم متعددة تصب في معنى الفاعلية، مثل: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، النصيحة، التبليغ، الجهاد، التعليم، التزكية، الدلالة على الخير، النذارة والبشارة. هذا التنوع يدل على اهتمام كبير بهذا المعنى وتوسيع دلالته.
-
الأمر المباشر بنشر العلم والخير: يحثنا الوحي على نشر العلم وإفشاء الخير، وهذا يستبطن الأمر بالفاعلية. أمثلة من القرآن الكريم:
- {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}
- {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}
- {قُمْ فَأَنذِرْ}
- {وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}
- {فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}
-
الثناء والمدح للمتحلين بالفاعلية: يثني الوحي على من يتمثل الفاعلية في حياته، ويذكرهم بالخير. أمثلة:
- {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ}
- {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}
- {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ}
- {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا}
-
التنويه بالصفات اللازمة للعالم الفاعل: يذكر الوحي الصفات التي يجب أن يتحلى بها طالب العلم الفاعل، مثل اللين والرفق والشكر والصبر. أمثلة:
- {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا}
- {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ}
- {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا}
- {فَاصْبِرْ}
- {خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}
- الإشارة إلى محاذير الفاعلية: يحذر الوحي من بعض الأمور التي قد تعيق الفاعلية، مثل الاستكثار واليأس والنزاع. أمثلة:
- {وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ}
- {وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}
- {وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي}
- {وَلَا تَنَازَعُوا}
الفاعلية في السنة النبوية المطهرة
لم يقتصر الأمر على القرآن الكريم، بل عني النبي صلى الله عليه وسلم بتربية أصحابه على الفاعلية والنفع والتأثير في كافة المجالات.
- الأمر بالتبليغ: "بلغوا عني ولو آية" (البخاري).
- إرسال الصحابة للتعليم والقضاء: كما فعل مع معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن.
- الحث على تعليم الآخرين: كما في حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
- الدعاء لمن نقل العلم: "نضَّر اللهُ امرءًا سمع منّا شيئًا، فبلَّغه كما سمعه" (أبو داود والترمذي).
- توجيه من يسلك طريق الفاعلية: "يسِّرا ولا تُعسِّرا، وبشِّرا ولا تُنفِّرا، وتَطاوعا ولا تَخْتَلِفا" (البخاري ومسلم).
- الغبطة لحامل الحكمة: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا، فسلطه على هلكته في الحق. ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها، ويعلمها" (البخاري ومسلم).
كن فاعلاً في محيطك
فطالب العلم الفاعل في محيطه، بقضاء الحوائج، وتعليم الجاهل، وتذكير الغافل، وبث الخير، والدلالة على الهدى، أعظم أجرًا وأكثر ثوابًا، بخلاف من انزوى على نفسه واقتصر على التلقي دون بذل وتزكية.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولئن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حُمر النّعم" (البخاري ومسلم).
انطلق نحو الفاعلية
لا تدع الكسل والدعة يعيقانك عن بث العلم ونشر الخير. انطلق نحو الفاعلية بما يلائمك بحسب استعدادك، وكن مؤثرًا إيجابيًا في مجتمعك. فالله الهادي إلى سواء السبيل.
اترك تعليقاً