القامشلي بعد المؤتمر: هل تتراجع “قسد” عن التفاهمات مع دمشق؟ تحليل معمق

القامشلي بعد المؤتمر: هل تتراجع “قسد” عن التفاهمات مع دمشق؟ تحليل معمق

مقدمة: وحدة الصف الكردي.. حلم أم واقع جديد؟

في نهاية شهر أبريل الماضي، شهدت الساحة السورية تحركًا لافتًا تمثل في انعقاد مؤتمر "وحدة الصف الكردي" في مدينة القامشلي. جمع المؤتمر قوى كردية متنوعة، أبرزها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والمجلس الوطني الكردي السوري، بالإضافة إلى شخصيات سياسية كردية من العراق وتركيا. هذا التجمع أثار تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين الأكراد والإدارة السورية، خاصة بعد التفاهمات التي تم التوصل إليها سابقًا.

مخرجات المؤتمر: بين الحكم الذاتي والوحدة السورية

تبنى المؤتمر مطلبًا طموحًا بتوحيد المناطق الكردية في إطار وحدة إدارية وسياسية ضمن "سوريا الاتحادية"، مع التأكيد على أن الشعب الكردي مكون أصيل في البلاد. هذا الطرح يتجاوز مفهوم اللامركزية الإدارية التقليدية، ويتجه نحو نموذج الدولة الاتحادية التي تمنح الأقاليم حكمًا ذاتيًا واسعًا.

هل يمثل هذا تحولًا في موقف "قسد"؟

يبدو أن مخرجات المؤتمر تشير إلى تراجع "قسد" عن التفاهمات التي أبرمتها مع الإدارة السورية في وقت سابق من هذا العام. تلك التفاهمات كانت تركز على وحدة الأراضي السورية، وحقوق الأكراد كمكون سوري مضمونة دستوريًا، دون التطرق إلى أي شكل من أشكال الحكم الذاتي.

تساؤلات حول المصير: ما الذي تغير؟

يثير هذا التحول المفاجئ تساؤلات جوهرية:

  • ما مصير التفاهمات السابقة بين "قسد" والإدارة السورية؟
  • ما هي الدوافع التي دفعت "قسد" والأكراد عمومًا إلى تبني هذه المخرجات الجديدة؟
  • هل ستؤدي هذه التطورات إلى إشعال فتيل الخلافات مجددًا مع دمشق؟

تاريخ من الانقسامات: محاولات توحيد الصف الكردي

عانى الصف الكردي في سوريا من انقسامات عميقة على مر السنين، مما دفع كل طرف إلى محاولة بناء علاقات مستقلة مع الإدارة السورية. في الماضي، التقى قادة من "قسد" بمسؤولين سوريين، بينما سعى المجلس الوطني الكردي إلى التفاوض بشكل منفصل. ومع ذلك، فضلت دمشق التفاهم مع "قسد" نظرًا لسيطرتها العسكرية والأمنية في شمال شرق سوريا.

جهود إقليمية ودولية: وساطات في سبيل الوحدة

في الفترة التي سبقت انعقاد المؤتمر، بذلت جهات إقليمية ودولية جهودًا لتوحيد الموقف الكردي. كان لحكومة إقليم كردستان العراق دور بارز في هذا الصدد، حيث أرسلت مبعوثين إلى شمال شرق سوريا واستضافت قادة "قسد" لمناقشة تشكيل موقف موحد. كما لعبت فرنسا دور الوسيط بين "قسد" والمجلس الوطني الكردي، وشاركت في تسهيل اللقاءات والنقاشات التي أدت إلى عقد المؤتمر.

ردود فعل سورية: رفض للتقسيم والكيانات المنفصلة

لم تتأخر الرئاسة السورية في إصدار بيان رسمي عقب المؤتمر، أكدت فيه أن مخرجاته تتعارض مع التوافقات السابقة مع "قسد"، ورفضت أي محاولات لفرض واقع تقسيم أو إنشاء كيانات منفصلة. وشدد البيان على أن "وحدة سوريا أرضًا وشعبًا خط أحمر"، وأن أي تجاوز لذلك يُعد خروجًا عن الصف الوطني.

مخاوف ديموغرافية: "الحزام العربي" في دائرة الضوء

أثار المؤتمر أيضًا قضية "الحزام العربي"، وهي المناطق التي تقطنها عشائر عربية في المناطق الحدودية المتاخمة للأكراد. تخشى دمشق أن يؤدي إلغاء هذا المشروع إلى تغيير ديموغرافي يمهد الطريق لسيطرة كردية على مناطق متصلة، مما يهدد وحدة الأراضي السورية.

تداعيات ميدانية: تحركات عسكرية وتأخير في الاتفاقات

ظهرت تداعيات المؤتمر على أرض الواقع، حيث قامت قوات تابعة للجيش السوري بعملية إعادة انتشار في محيط سد تشرين بريف حلب. كما تعثر استكمال تنفيذ الاتفاق المتعلق بمدينة حلب، حيث لا يزال مسلحون تابعون لـ"قسد" ينتشرون داخل بعض الأحياء.

سقف مرتفع للتفاوض: مطالب جديدة وشروط مشددة

تشير مخرجات المؤتمر إلى أن المكون الكردي، بعد التوافق فيما بينه، وضع سقفًا للتفاوض مع الإدارة السورية أعلى بكثير مما تم الاتفاق عليه سابقًا. كما أن بعض أعضاء المجلس الوطني الكردي يرون أن الاتفاق السابق يجب أن يقتصر على الجوانب العسكرية والأمنية، وأن الترتيبات السياسية تحتاج إلى تفاوض جديد.

تحديات على الأرض: النفط والإعلام والتحريض

تواجه "قسد" اتهامات بعدم الالتزام بتسليم حقول وآبار النفط إلى مؤسسات الدولة، بل على العكس، تراجعت كمية النفط التي يتم تسليمها إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية. بالإضافة إلى ذلك، تصاعدت حدة الخطاب الإعلامي الموالي لـ"قسد" ضد الحكومة السورية، مع اتهامات بالتطرف وممارسة الانتهاكات. كما تسعى "قسد" إلى تحريض بعض الفئات الأخرى ضد الإدارة السورية، مما يزيد من حدة التوتر.

سيناريوهات مستقبلية: بين التفاوض والمواجهة

على الرغم من السقف المرتفع الذي وضعه المؤتمر، إلا أن العودة إلى المواجهات بين "قسد" والإدارة السورية ليست حتمية. من المرجح أن يتجه الأكراد إلى التفاوض مجددًا، خاصة في ظل الظروف الإقليمية والدولية التي لا تصب في مصلحتهم، مثل التهديدات التركية المستمرة بإقامة كيانات منفصلة في سوريا، والتسريبات حول انسحاب أمريكي محتمل من شمال شرق سوريا.

دمشق تعزز موقفها: الانفتاح على الخارج والتنسيق الأمني

في المقابل، تعمل حكومة دمشق على تقوية موقفها قبل تجدد المباحثات مع الأكراد من خلال الانفتاح على الدول المساندة لـ"قسد"، والتجاوب مع المطالب الأمنية الأمريكية المتعلقة بمكافحة الإرهاب. كما وقعت الحكومة اتفاقية استثمار مع شركة فرنسية لتشغيل ميناء اللاذقية، في محاولة لتقليل الاعتماد الدولي على دور "قسد".

الخلاصة: مستقبل غامض وعلاقة معقدة

يبقى مستقبل العلاقة بين "قسد" والإدارة السورية غامضًا ومعقدًا. فمخرجات مؤتمر القامشلي تضع الطرفين أمام تحديات جديدة، وتزيد من حدة التوتر بينهما. ومع ذلك، فإن الحاجة إلى التفاوض والتوصل إلى حلول توافقية تظل قائمة، في ظل الظروف الإقليمية والدولية الضاغطة.

المصدر: موقع الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *