الهند وإسرائيل: كيف أعاد مودي رسم خريطة التحالفات على حساب القضية الفلسطينية؟

الهند وإسرائيل: كيف أعاد مودي رسم خريطة التحالفات على حساب القضية الفلسطينية؟

مقدمة: تضامن على وقع الأحداث

"لديكم وضع مشابه لما جرى عندنا…". بهذه الكلمات عبّر السفير الإسرائيلي في الهند، رؤوفين عازر، عن تضامنه مع الهند عقب هجوم بهلكام، رابطًا إياه بـ"النزعة الدموية" و"التأويل الديني المختل" اللذين تتصدى لهما إسرائيل، على حد تعبيره. هذا التضامن لم يكن مفاجئًا، بل يعكس مسارًا طويلًا من التقارب المتزايد بين البلدين، خاصة في ظل صعود التيارات القومية الهندوسية في الهند.

من الحياد إلى التحالف: نظرة تاريخية

لم يكن موقف الهند تجاه إسرائيل دائمًا بهذا الوضوح. ففي الماضي، اتسمت السياسة الهندية تجاه القضية الفلسطينية بالدعم والتعاطف، تجسيدًا لإرث جواهر لال نهرو وعلاقاته الوثيقة مع جمال عبد الناصر. إلا أن هذا الدعم بدأ بالتراجع تدريجيًا، ليصل إلى ذروته في عهد ناريندرا مودي، الذي أعلن تضامنه الكامل مع إسرائيل عقب هجوم حماس في أكتوبر 2023. هذا التحول يعكس تحولًا أوسع في المزاج العام لأنصار الحركة القومية الهندوسية، التي ترى في التحالف مع إسرائيل سمة مميزة للسياسة الخارجية الهندية.

جهود مضنية نحو التقارب: قصة التطبيع الهندي الإسرائيلي

لم يكن التحالف الهندي الإسرائيلي وليد اللحظة، بل نتيجة جهود مضنية بذلتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لكسر الجليد مع الهند. بعد اغتيال إنديرا غاندي، بدأ الباب ينفتح مواربًا، ليصبح مفتوحًا على مصراعيه مع صعود الحركة القومية الهندوسية عام 2014.

هذا التقارب تجسد في:

  • الاتفاقات العسكرية والأمنية: تعاون متزايد في مجال الدفاع، جعل الهند أكبر مستورد للأسلحة الإسرائيلية.
  • الرحلات الجوية المباشرة: تدشين خطوط جوية مباشرة بين البلدين، مما سهل حركة السياحة والتجارة.
  • التبادل السياحي: تدفق السياح الإسرائيليين إلى الهند، وخاصة إلى مناطق مثل كَسول وغوا.

كَسول وغوا: وجهات مفضلة للإسرائيليين

تُعدّ قرية كَسول الواقعة في جبال الهيمالايا، وولاية غوا الساحلية، من الوجهات المفضلة للسياح الإسرائيليين، وخاصة الشباب الذين أنهوا خدمتهم العسكرية الإجبارية. هذه المناطق تقدم مزيجًا من الطبيعة الخلابة والاسترخاء، بالإضافة إلى توافر بعض المواد المخدرة.

ومع ذلك، أثارت هذه الظاهرة بعض الانتقادات المحلية، حيث اتهم البعض السياح الإسرائيليين بتجاهل عادات السكان المحليين والانخراط في سلوكيات غير لائقة. كما أثيرت مخاوف بشأن تورط بعض رجال الأعمال الإسرائيليين في تجارة المخدرات وشراء الأراضي في غوا.

من قنصلية منعزلة إلى تحالف استراتيجي: مراحل التطبيع

مرّت العلاقات الهندية الإسرائيلية بعدة مراحل:

  1. العزلة: قبل عام 1992، كانت إسرائيل ممثلة بقنصلية صغيرة في مومباي، بينما امتنعت الهند عن إرسال أي دبلوماسي إلى إسرائيل.
  2. البدايات البطيئة: بعد عام 1992، انصب الاهتمام الهندي على الاستفادة من الخبرات الإسرائيلية في الزراعة والتعاون العسكري.
  3. التحالف المفتوح: مع صعود مودي إلى السلطة، تحولت العلاقات إلى تحالف مفتوح، وتوارى إرث نهرو ومعاصريه.

تضارب المصالح وتأثير باكستان

لم يكن الطريق إلى التطبيع الهندي الإسرائيلي مفروشًا بالورود. فقد واجهت الهند بعض التحديات، مثل:

  • المعارضة الباكستانية: سعت باكستان باستمرار إلى عرقلة مشاركة الهند في الفعاليات الإسلامية.
  • الضغوط العربية: مارست بعض الدول العربية ضغوطًا على الهند لعدم التطبيع مع إسرائيل.
  • الحسابات الانتخابية: كان حزب المؤتمر يولي اهتمامًا كبيرًا بشعبية المسلمين في الهند، مما جعله حذرًا في علاقاته مع إسرائيل.

حرب 1967 ومؤتمر الرباط: نقطة تحول

شكّلت حرب الأيام الستة عام 1967 سببًا إضافيًا لتمسك إنديرا غاندي بمقاطعة إسرائيل. وفي عام 1969، تلقت الهند دعوة لحضور المؤتمر الإسلامي في الرباط، لكنها سُحبت لاحقًا بسبب معارضة باكستان. هذا الحادث كشف عن التخبط العربي حيال الهند وباكستان، وكان بمثابة نقطة تحول في السياسة الهندية تجاه العالم العربي.

السادات يفتح الباب: 1977 عام الانفراج

عام 1977 شهد انفراجة في العلاقات الهندية الإسرائيلية، بعد زيارة أنور السادات للكنيست الإسرائيلي وخروج إنديرا غاندي من السلطة. حكومة "جَنَتا" الجديدة استقبلت وزير الدفاع الإسرائيلي سرًا في دلهي لبحث سُبُل الاستفادة من الخبرات الإسرائيلية العسكرية.

التطوير العسكري والتقارب مع الولايات المتحدة: دوافع إضافية

في الثمانينيات، أدركت المؤسسات الحاكمة في الهند الحاجة إلى تغييرات جذرية لمواكبة التطورات العالمية، مثل تدهور الاتحاد السوفياتي وصعود الاقتصاد الصيني. كان ملف التطوير العسكري على رأس الأولويات الهندية، مما دفعها إلى التقارب مع إسرائيل، التي يمكنها سد الفراغ الذي خلفه تراجع روسيا.

مودي يرسم ملامح جديدة للسياسة الخارجية الهندية

مع وصول ناريندرا مودي إلى السلطة، بدأت الهند في إعادة تقييم علاقاتها مع العالم، بما في ذلك إسرائيل. مودي، الذي ينتمي إلى تيار القومية الهندوسية، رأى في إسرائيل حليفًا طبيعيًا للهند، وتبنى سياسة خارجية أكثر جرأة وانفتاحًا تجاه تل أبيب.

إرث ساوَركَر: الأيديولوجيا وراء التقارب

كان ﭬينايَك دامودَر ساوَركَر، أحد رموز القومية الهندوسية، يرى في الهند وطنًا هندوسيًا يستند إلى الارتباط الوثيق بين الأرض والعقيدة الهندوسية. هذا التيار الفكري يرى في إسرائيل دولة يهودية في فلسطين، تمامًا كما يرى في الهند دولة هندوسية.

بين الواقعية والالتزامات التقليدية: توازن دقيق

رغم حماستها لتعميق العلاقات مع إسرائيل، أبدت حكومة مودي درجة من الالتزام ببعض المواقف "العربية" التقليدية، مثل الاستمرار في الإشارة إلى محمود عباس بوصفه رئيس فلسطين، وزيارة وزيرة الخارجية الهندية لضريح ياسر عرفات.

تراجع المخاوف العربية والإيرانية: تغيير في الحسابات

في الفترة الثانية لمودي في السلطة، ازدادت وتيرة التطبيع مع إسرائيل، وعزَّز ذلك الاتجاه التقارب الوثيق بين دلهي وواشنطن. كما تراجعت مخاوف الهند من ردود الفعل العربية والإيرانية، بسبب مسار التطبيع الذي بدأته بعض الدول العربية، وتراجع الدور الإيراني في المنطقة.

"مصدوم من الهجمات الإرهابية في إسرائيل": موقف يثير الدهشة

في أكتوبر 2023، أثار موقف مودي المؤيد لإسرائيل في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" دهشة البعض، حيث جاء أكثر تطابقًا مع الموقف الأميركي من المواقف الروسية والصينية والبرازيلية، التي تحدثت بشكل أكثر توازنًا عن ضرورة حل القضية الفلسطينية.

خاتمة: تحالف استراتيجي على حساب القضية الفلسطينية؟

يبدو أن دلهي بزعامة مودي قد رفعت الستار أخيرًا عن الوُد المكتوم مع تل أبيب، بل وباتت انحيازاتها لها مُفاجِئة للأميركيين أنفسهم. هذا التحول يعكس التغيرات التي أحدثتها الحكومة القومية الهندوسية في ثوابت السياسة الخارجية الهندية، وتراجع النظام الإقليمي العربي. يبقى السؤال: هل سيستمر هذا التحالف الاستراتيجي على حساب القضية الفلسطينية؟

المصدر: موقع الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *