باكستان والسلاح النووي: قصة الردع، التحديات، والطموحات النووية

باكستان والسلاح النووي: قصة الردع، التحديات، والطموحات النووية

مقدمة: باكستان وقوة الردع النووي

تعتبر باكستان قوة نووية ناشئة، تحتل المرتبة السابعة عالميًا من حيث حجم الترسانة النووية. يُقدر مخزونها بحوالي 170 رأسًا نوويًا بحلول عام 2025، مدعومة ببنية تحتية نووية متطورة قادرة على تخصيب اليورانيوم وإنتاج البلوتونيوم، بالإضافة إلى منظومة إطلاق متقدمة ومتنوعة.

"القنبلة الذرية الإسلامية": رمز قوة أم تحدٍ دولي؟

تعد باكستان الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك سلاحًا نوويًا، وهو ما أثار جدلًا واسعًا وأطلق عليها لقب "القنبلة الذرية الإسلامية". ورغم التدقيق الدولي والعقوبات الاقتصادية والعسكرية، تصر باكستان على الاحتفاظ بسلاحها النووي وتطويره، إيمانًا منها بضرورة تأمين "الحد الأدنى من الردع" الذي تطور لاحقًا إلى "الردع الشامل" لمواجهة التهديدات من جارتها النووية، الهند، في ظل الصراع المستمر حول إقليم كشمير.

البدايات: من "الذرة من أجل السلام" إلى الطموح النووي

بدأت باكستان مشروعها النووي في الخمسينيات من القرن الماضي، مستفيدة من مبادرة الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور "الذرة من أجل السلام"، التي هدفت إلى تطوير الطاقة الذرية للاستخدامات المدنية.

الدعم الأميركي وتحول المسار

في البداية، أبدت الولايات المتحدة رغبة في دعم المشروع النووي المدني الباكستاني، وقدمت تمويلًا لبناء مفاعل بحثي صغير، ومواد انشطارية، وبرامج تدريبية للعلماء والمهندسين. تأسست الهيئة الباكستانية للطاقة الذرية عام 1956، وبدأت البلاد في تطوير البرنامج النووي، حيث تم بناء أول مفاعل بحثي وتشغيله عام 1965.

نقطة التحول: حرب 1971 والقرار الاستراتيجي

شكلت الخسارة التي تكبدتها باكستان بانفصال شرق باكستان (بنغلاديش) عام 1971، بالإضافة إلى المساعي الهندية لإنتاج قنبلة نووية، دافعًا لرئيس الوزراء الباكستاني آنذاك، ذو الفقار علي بوتو، لاتخاذ قرار تاريخي بتطوير سلاح نووي عام 1972.

"المشروع 706": تحدي العقوبات وتطوير القدرات

باشرت باكستان برنامجها النووي، الذي أُطلق عليه "المشروع 706″، وبدأت بتطويره عبر إنشاء مراكز بحثية ومنشآت إنتاجية نووية، رغم العقوبات والضغوط الأميركية.

دور عبد القدير خان: قصة التجسس والتطوير السريع

لعب العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان دورًا حاسمًا في تعزيز المشروع النووي، حيث اطلع على تصاميم أجهزة الطرد المركزي السرية أثناء عمله في أوروبا. أسس مختبرات "كاهوتا" للأبحاث، وفي غضون سنوات قليلة، أصبحت باكستان قادرة على إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب، ونجحت في تجربة أول اختبار بارد لجهاز نووي.

التعاون الصيني: شراكة استراتيجية في المجال النووي

شكل التعاون مع الصين محورًا مركزيًا في تطوير القدرات النووية الباكستانية، حيث زودت الصين باكستان بمواد وخبرات نووية، وساهمت في بناء بعض المنشآت النووية.

التجارب النووية وإعلان القوة

في مايو 1998، وبعد أسبوعين من التجارب النووية الهندية، نفذت باكستان أول اختبار لسلاحها النووي، فأجرت 6 تفجيرات نووية، لتصبح سابع دولة تجري اختبارًا رسميًا لسلاح نووي.

توسيع البرنامج وتطوير القدرات

واصلت باكستان توسيع برنامجها النووي وتطويره، وأعلنت عام 2015 عن نجاحها في تطوير أسلحة نووية تكتيكية، كما عملت على تطوير قدرات الإطلاق النووي البحري.

العقيدة النووية الباكستانية: الردع الشامل والالتزام الدفاعي

تتمحور العقيدة الإستراتيجية النووية الباكستانية حول مبدأين أساسيين: الردع العسكري، والالتزام بموقف نووي دفاعي.

الردع الشامل: حماية الأراضي والمصالح

تهدف باكستان من امتلاك سلاح نووي إلى تحقيق "حد أدنى معقول لردع" تهديدات الهند، ومواجهة التفوق العسكري الهندي التقليدي. ومع إدراكها لتفوق القوات الهندية، انتقلت باكستان للحديث عن ضرورة تحقيق "ردع شامل"، وهو ما يتطلب ترسانة أكبر حجما، وتنوعا أوسع في كل من الرؤوس الحربية وأنظمة الإطلاق.

الالتزام الدفاعي: عدم البدء بالاستخدام النووي

تؤكد السلطات الباكستانية على الالتزام بموقف نووي دفاعي، وعدم البدء باستخدام الأسلحة النووية ضد دول لا تملك قوة نووية، لكنها تلوح بإمكانية البدء باستخدام القوة النووية في حالة التعرض لهجوم من دولة نووية مثل الهند.

الترسانة النووية الباكستانية: حجم القدرات ومنصات الإطلاق

تعتبر الترسانة النووية الباكستانية سابع أكبر ترسانة نووية في العالم، ويقدر مخزونها بنحو 170 رأسًا نووية.

منظومة الإطلاق المتنوعة: براً وجواً وبحراً

طورت باكستان منظومة واسعة ومتنوعة من منصات التوصيل، القادرة على حمل رؤوس نووية برا وجوا، إضافة إلى مراحل متقدمة في تطوير منصات توصيل بحرية.

  • الصواريخ الباليستية: تمتلك باكستان العديد من الصواريخ الباليستية المتحركة برا، القادرة على حمل رؤوس نووية، وتشمل أنواعا متعددة.
  • الأسلحة النووية التكتيكية: طورت باكستان مجموعة متنوعة من الأسلحة النووية غير الإستراتيجية (الأسلحة النووية التكتيكية)، وهي أسلحة قصيرة المدى ومنخفضة العائد.
  • المنصات الجوية: لدى باكستان عشرات الرؤوس الحربية للمنصات الجوية النووية، التي يمكن إطلاقها باستخدام الطائرات الحربية.
  • القدرات البحرية: نجحت باكستان في اختبار صاروخ بابور-3، بإطلاقه من منصة مغمورة، ويعتبر النسخة البحرية من صاروخ بابور-2 ذي القدرة النووية.

المنشآت النووية الباكستانية: بنية تحتية متطورة

شيدت باكستان العديد من المنشآت النووية، التي تُستخدم للأغراض المدنية والعسكرية، وتشمل مفاعلات نووية ومراكز بحث ومستودعات تخزين.

  • مجمع خوشاب النووي: يضم 4 مفاعلات نووية، إضافة إلى مصنع صغير للماء الثقيل.
  • مختبرات كاهوتا للأبحاث: المختبر الرئيسي للأسلحة النووية في باكستان.
  • محطة كراتشي للطاقة النووية: أول محطة طاقة نووية في باكستان.
  • مجمع راولبندي: يُستخدم لتطوير وإنتاج الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية وقاذفاتها المتنقلة.

التحديات والقيود: معاهدات دولية وضغوط خارجية

رفضت باكستان المصادقة على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية لعام 1968، وكذلك معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية عام 1996، لأنها ترى أن المعاهدتين غير عادلتين، ولا تخلوان من العيوب الإجرائية والموضوعية الواضحة.

محاولات إجهاض البرنامج النووي: تدخلات خارجية ومحاولات تخريب

حاولت دول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل والهند إجهاض مشروع السلاح النووي الباكستاني منذ بداياته، من خلال المعارضة والتجسس ومحاولات التخريب.

العقوبات الدولية: تأثير محدود وتعزيز للتعاون الصيني

أثارت التجارب النووية الباكستانية قلقًا دوليًا، وفرضت العديد من الدول عقوبات على باكستان، ولكن تلك العقوبات تم رفعها بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

قضية عبد القدير خان: فضيحة الانتشار النووي

في عام 2004، اتهمت الولايات المتحدة عبد القدير خان بإدارة شبكة لنشر التقنيات والمواد النووية

المصدر: موقع الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *