بوروندي: قصة الإسلام الصامتة – تحديات الدعوة وفرص النمو في قلب أفريقيا

مقدمة: بوروندي.. أرض خصبة للدعوة

بوروندي، جوهرة أفريقية صغيرة تقع في أحضان منابع النيل، بلد يتميز بجمال طبيعته الخلابة وأرضه الخصبة. ورغم صغر حجمها وتحدياتها الاقتصادية، إلا أنها تمثل أرضًا واعدة للدعوة الإسلامية. دخل الإسلام بوروندي حديثًا نسبيًا عبر التجار المسلمين، خاصة العُمانيين، وخلال قرن من الزمان، وصلت نسبة المسلمين إلى حوالي 20% من السكان. ومعظم السكان من المسيحيين، إلا أن جهود الدعاة المخلصين ساهمت في زيادة الإقبال على الإسلام، خاصة بعد انتهاء الحرب الأهلية التي حافظ المسلمون خلالها على موقف محمود ومحايد.

واقع الدعوة والدعاة: تفانٍ وإخلاص رغم قلة الإمكانيات

لقد منّ الله عليّ بزيارة بوروندي للإشراف على الدعاة والأئمة والمناظرين الذين ترعاهم مؤسسة الشيخ عيد الخيرية القطرية. خلال هذه الزيارة، اطلعت على تفاصيل مهمة حول الدعوة والدعاة في بوروندي، وأحببت أن أشارك هذه المشاهدات مع المهتمين بالعمل الدعوي، عسى أن تكون فيها فائدة وإلهام.

أنشطة الدعاة: نموذج فريد من العطاء

الأئمة في بوروندي متفاوتون في النشاط، ولكن نشاط الكثير منهم يفوق التصور. فهم يقومون بمهام متعددة تشمل:

  • الصلاة بالناس وتعليمهم: دروس مستمرة بعد كل صلاة.
  • تحفيظ القرآن الكريم: حلقات لتلقين القرآن بعد الفجر وقبل العصر.
  • تدريس اللغة العربية والعلوم الشرعية: دروس صباحية للطلاب.
  • تعليم النساء: حلقات خاصة لتعليم النساء بعد العصر.
  • دروس جماعية: دروس لجماعة المسجد بعد المغرب وبعد صلاة السنة، بالإضافة إلى دروس خاصة للمسلمين الجدد.
  • الزيارات الدعوية: زيارات ليلية وصباحية للنصارى لدعوتهم إلى الإسلام.
  • الدعوة الفردية: استغلال الدعاة لعملهم كمعلمين أو طلاب في المدارس والجامعات للدعوة إلى الله.
  • الدعوة العلنية: استخدام مكبرات الصوت للدعوة إلى الله في الطرقات دون مبالاة بالسخرية أو الاستهزاء.

بعض الدعاة يشرفون على أنشطة متعددة في عدة مساجد، وبعضهم يقوم بالخطابة وإلقاء المحاضرات للرجال والنساء في مساجد مختلفة. كما يتولى البعض عقد النكاح وحل مشاكل المسلمين، ويشارك آخرون في المناظرات لدعوة النصارى.

نصائح وتوجيهات للدعاة

أقل الدعاة نشاطًا يكتفي بالتعليم بعد بعض الصلوات، ونحن ننصحهم بالتدريس بعد كل صلاة، فالمصلون في بوروندي يجلسون بعد الصلاة ويستمعون للدرس برغبة. ولكننا نوصي الأئمة بعدم الإطالة وأن لا يزيد الدرس لجماعة المصلين على خمس دقائق، بخلاف الحلقة بعد الفجر وبعد المغرب لأنها ليست لجميع المصلين.

كما ننصح من يقتصر نشاطه داخل المسجد بالدعوة خارج المسجد، خاصة للنصارى. أذكر أني سألت إمامًا عن عدد الذين دخلوا الإسلام على يديه خلال أسبوعين، فلم يذكر أحدًا، فعاتبته على تقصيره، وحثثته على دعوة النصارى وذكرت له بعض الأساليب، ثم بعد أسبوعين التقيت به فبشرني أنه أسلم على يديه سبعة من النصارى منهم امرأة!

سهولة اعتناق النصارى للإسلام: قصص مؤثرة

ما أسهل دخول النصارى إلى الإسلام في بوروندي! ففي المناظرة الواحدة قد يعلن الدخول في الإسلام خمسة أو عشرة أو عشرون أو ستون أو مائة أو أكثر. وفي إحدى المناظرات لم يدخل إلا واحد، لكنه القسيس ومعلم النصارى في الكنيسة، وقد أسلم بعد أن ذكر جميع شبهاته وأجاب عنها المناظرون، وأثبتوا له بطلان النصرانية. وإن لم يعلن الإسلام في تلك المناظرة أحد غيره، إلا أن كثيرًا من النصارى الذين حضروا تلك المناظرة -وهم نحو خمسمائة- تأثروا، وإن شاء الله يسلم عما قريب من شاء الله له الهداية.

وكذلك ما أكثر من يدخل من النصارى إلى الإسلام بالدعوة الفردية. كنت في حلقة مع بعض الدعاة فسألتهم أن يخبرني كل واحد بعدد الذين دخلوا في الإسلام على يديه، فأكثرهم قالوا: لا نستطيع التحديد لكثرتهم!! فقلت: اذكروا العدد بالتقريب، فمنهم من ذكر ثلاثة، ومنهم خمسة، ومنهم عشرة، ومنهم عشرون، ومنهم خمسون، ومنهم سبعون، ومنهم من ذكر أكثر من مائة، وقال أحدهم: نحن جماعة مناظرون دخل على أيدينا بالمناظرات أكثر من ألف وسبعمائة!!

والعديد من الأئمة لديهم سجل بأسماء المهتدين الجدد الذين أسلموا على أيديهم، فيه أسماؤهم وأعمارهم وتاريخ إسلامهم. وقد طلبنا من الجميع تسجيل ذلك مع ذكر رقم الهوية إن وجدت ورقم الهاتف، ليسهل متابعة هؤلاء المسلمين الجدد، والحرص على أن يلتحقوا بدورات المهتدين ليتعلموا ما يجب عليهم تعلمه من أركان الإيمان والإسلام وسورة الفاتحة وكيفية الوضوء والصلاة وغير ذلك.

الفقر المدقع: تحدي كبير يواجهه الدعاة

من العجب أن الدعاة يقومون بذلك النشاط وهم في أشد الفقر والقلة، فبوروندي من أفقر دول العالم، وأكثر الناس فيها لا يجدون ثلاث وجبات في اليوم، يكتفون بوجبة أو وجبتين وقد لا يشبعون في الوجبة. وأخبرني بعض الدعاة المشهورين بالنشاط في العاصمة بوجنبورا أنه أحيانًا يمر عليه يوم لا يجد ما يأكل، واتصل عليّ أحد الدعاة ليسأل عن الرواتب التي وعدتهم بها مؤسسة عيد وأخبرني أنه ليس في بيته طعام!!

أدخلني أحد الدعاة إلى بيته فتفاجئت أن امرأته داخل البيت وعندها امرأتان من جيرانهم، واستغربت منه كيف يدخلني بيته وامرأته داخل الغرفة وكانت محجبة، ثم علمت أن بيته هو تلك الغرفة فقط، فتلك الغرفة هي غرفة النوم وغرفة الضيوف وهي المطبخ والمخزن، وليس لهم حمام خاص، بل يوجد حمام واحد خارج البيت مشترك لجميع الجيران المستأجرين وهم تسعة بيوت مسلمون ونصارى!!

وسألت هذا الأخ الداعية عن قدر الإيجار فقال: الإيجار ب 50000 فرنك + 5000 فرنك للماء + 5000 فرنك للكهرباء = 60000 فرنك (40$)، وراتبه 100000فرنك فقط (66$)، ويبقى معه 40000 فرنك (26$) للمعيشة طوال الشهر!!!! وهذا الراتب عينه له أهل المسجد، ولا يستطيع أن يزيد فيه شيئًا سواء كان يكفيه أو لا يكفيه، وقال لي هذا الأخ: أنا طلبت العلم لأعلم الناس، ولن أترك الدعوة إن شاء الله سواء جاءنا مال أو لم يأت مال، قد نجوع وقد نمرض ولكن نصبر وسيهل الله أمرنا إذا علم صدق قلوبنا!! كلمات مؤثرة من قلب أحسبه صادقًا والله المستعان.

أدخلني داعية آخر إلى بيته، فوجدت امرأته مضطجعة على الموكيت من غير فراش، فاستحت مني وجلست، وفي يدها ولدها الصغير، وأخبرني أنها حامل، ورأيتهم يطبخون الطعام خارج الغرفة (البيت) عند الباب على الفحم، حيث إن الغاز غالي جدًا لا يشتريه إلا الأغنياء، حتى في المطاعم يطبخون على الفحم، وأخبرني هذا الأخ أنه تزوج قبل ثلاثة أشهر وعمره ثمان وثلاثون سنة، وأن امرأته ثيب لها ولد من غيره، وسألته عن الإيجار فقال: 40000 فرنك، وراتبه 60000فرنك، ويبقى معه 20000 فرنك (13$) لمعيشتهم طوال الشهر!!!

وقال لي: نحن في فقر شديد، ولا أحد يرانا بعين الرحمة، ولكن سنصبر!!!

وهذا الأخ هو الذي يترجم لي خطبي ومحاضراتي، ومرة ذهبنا إلى مناظرة وأعطيته 2000 فرنك فاشترى له منها خمس حبات طماط، وأ

المصدر: موقع طريق الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *