تبديد قلق المستقبل: سبل إيجاد الطمأنينة والسكينة

تبديد قلق المستقبل: سبل إيجاد الطمأنينة والسكينة

تبديد قلق المستقبل: سبل إيجاد الطمأنينة والسكينة

الحمد لله الكريم الأكرم، الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم. نحمده على نعمه الوافرة، و نشكره على عطائه الجزيل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المتفرد بالجلال والجمال والكمال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأخلصوا له في أعمالكم، وثقوا به في نوائبكم، واستعينوا به في شدائدكم، وسلوا قضاء حاجاتكم، ولجوا به فيما يخيفكم؛ فإنه سبحانه القادر على كل شيء، المحيط بكل شيء، لا يخيب من رجاه، ولا يعز من عاداه، ولا يذل من والاه. ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: 18].

الخوف من المستقبل في عصرنا الحالي

أيتها الأخوات، أياها الإخوان: مع تزايد وتغلغل الفكر المادي، وسيطرته على عقول الناس، واللهث خلف زيادة الكسب، والتباهي بالإنفاق، والسرف في كل شيء، ينتشر الخوف والقلق والاكتئاب في أوساط الناس. الغني يخشى على ماله وتجارته، ومتوسط الدخل وقليله ينظران إلى من فوقهما، ويزداد اللهث على الدنيا يوماً بعد يوم، ويتولد عن ذلك خوف شديد من المستقبل المجهول، خاصة مع اتساع الحروب، واضطراب الاقتصاد. لكن المؤمن يهتدي بنصوص الكتاب والسنة في تثبيت قلبه، وتبديد خوفه، وإزالة قلقه، والعيش براحة وسكينة وطمأنينة. وذلك عبر تدابير شرعية عدة، منها:

سبل التغلب على قلق المستقبل

1. استحضار معية الله:

استحضار معية الله تعالى للمتقين والمحسنين والمؤمنين. من كان الله تعالى معه فلن يخيب ولن يضيع، فيتبدد خوفه وقلقه. ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل: 128]، وفي آية أخرى: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: 19]. وما على المؤمن إلا أن يزيد في إيمانه وتقواه وإحسانه بالأعمال الصالحة؛ ليحصن نفسه من الخوف والقلق.

2. حسن الظن بالله:

حُسن الظن بالله تعالى. من ظن أن الله تعالى يرزقه ويعافيه، ويُجلي همومه، وينفس كروبه؛ نال ذلك، ولا يستبطئ رزق الله تعالى وفرجه مهما طال. والله تعالى يقول في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي» رواه الشيخان. وكما فعلت هاجر رضي الله عنها، حينما وضعت ابنها إسماعيل في وادي مكّة، ولم يكن فيه طعام ولا ماء ولا أنيس، وثقت بربها ففجر لها زمزم، وملّكها وابنها أقدس بقعة على وجه الأرض.

3. الاستعانة بالله:

الاستعانة بالله تعالى في كل الأمور، وتدبر ما يقرأه المؤمن في كل ركعة: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5]؛ أي: لا نعبد غيرك، ولا نستعين إلا بك. ولن يقلق عبد أو يخاف استعان بالله تعالى في أموره، ولجأ إليه في كروبه وهمومه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز» رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: «وإذا استعنت فاستعن بالله» رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

4. استحضار كرم الله ورحمته:

استحضار كرم الله تعالى ورحمته بعباده، وهو سبحانه يعاملهم بما هو أهل له، ولا يعاملهم بما هم أهل له، وإلا لأهلكهم. فالملاحدة ينكرون وجوده، والكفار يستكبرون عن عبادته، والنصارى يدّعون له الولد، وهو يرزقهم جميعاً ويعافيهم، ويصبر على أذاهم له. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أحدٌ أصبَرُ على أذًى سَمِعَهُ من الله، يدّعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم» رواه الشيخان. فإذا كان هذا عطاؤه للكافرين به، فكيف عطاؤه للمؤمنين به، وكيف يخاف المؤمن أو يقلق وهو يعبد رباً كريماً رحيمًا؟!

5. المحافظة على الصلاة:

الديمومة على الصلاة المفروضة، والإكثار من النوافل، والاجتهاد في الخشوع؛ فإن الصلاة صلة العبد بالله تعالى، ولن يخاف عبد كثير التواصل مع الله تعالى. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمرٌ صلى، وأمر الله تعالى بالاستعانة بالصلاة على ما ينوب الإنسان: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾ [البقرة: 45]. والأصل في الإنسان الجزع والهلع والخوف، واستُثني من ذلك المداومون على الصلاة: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ [المعارج: 19-23].

6. العلم بأن تخويف المؤمنين من كيد الشيطان:

العلم بأن تخويف المؤمنين إنما هو من كيد الشيطان، فلا يستسلم لوساوسه ونزغاته، وليستعذ بالله تعالى منه، وليعلم أنه لا سلطان له على أهل الإيمان، وأن كيده ضعيف: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 76]، وفي آية أخرى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 175]. وليدحر كيد الشيطان ووساوسه بالتوكّل على الله تعالى: ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [النحل: 98-99].

7. اليقين بنجاة الله للمؤمنين:

اليقين بأن الله تعالى ينجي المؤمنين في الشدائد والكروب؛ فإما رفعها سبحانه عنهم وأزال أثرها، وإما رزقهم الصبر عليها، والمعايشة معها، والثبات فيها، فيعيش المؤمن في راحة وسكينة وطمأنينة مهما أصابه. والنعيم نعيم القلب، كما أن العذاب عذاب القلب. بل إن الله تعالى جعل نجاة المؤمن من الكروب حقاً عليه سبحانه؛ لعظيم منزلة المؤمن عند الله تعالى: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّ

المصدر: شبكة الألوكة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *