تتبع كربون المحيطات من الفضاء: نموذج جديد يكشف أسرار “رئة الكوكب”

تتبع كربون المحيطات من الفضاء: نموذج جديد يكشف أسرار “رئة الكوكب”

نظرة جديدة على دور المحيطات في دورة الكربون: نموذج فضائي مبتكر

تلعب المحيطات دورًا محوريًا في تنظيم دورة ثاني أكسيد الكربون على كوكبنا، مما يجعل فهم قدرتها على امتصاص وتخزين الكربون أمرًا بالغ الأهمية لمكافحة تغير المناخ. لكن قياس هذه العمليات المعقدة على نطاق واسع يمثل تحديًا كبيرًا للعلماء. لحسن الحظ، ظهر حل واعد: نموذج جديد يعتمد على بيانات الأقمار الصناعية لتتبع حركة الكربون في المحيطات.

باحثو معهد أبحاث المحيطات والغلاف الجوي (MBARI) وجامعة ولاية فلوريدا، بالتعاون مع خبراء آخرين، طوروا طريقة مبتكرة لتحليل بيانات الأقمار الصناعية، مما يتيح التنبؤ بكميات الكربون في المحيطات بدقة أكبر. هذه الدراسة الرائدة، التي نُشرت في مجلة "رسائل البحوث الجيوفيزيائية"، تفتح آفاقًا جديدة لفهم دور المحيطات في التخفيف من آثار تغير المناخ.

مرصد أعماق البحار: نافذة على آليات نقل الكربون

اعتمد الباحثون على بيانات تفصيلية جُمعت من مرصد بحري طويل الأمد قبالة سواحل كاليفورنيا. هذا المرصد، المجهز بتقنيات متقدمة، يراقب قاع البحر العميق باستمرار، مما يوفر رؤى قيمة حول كيفية انتقال الكربون من سطح المحيط إلى أعماقه.

كيف تتم هذه العملية؟

  • العوالق النباتية: تقوم هذه الكائنات الدقيقة، الشبيهة بالنباتات، بامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتحويله إلى مواد عضوية عبر عملية التمثيل الضوئي.
  • الشبكة الغذائية: تستهلك الكائنات البحرية الأخرى العوالق النباتية، مما ينقل الكربون عبر الشبكة الغذائية.
  • مضخة الكربون البيولوجية: بعد موت العوالق النباتية والكائنات البحرية، تغرق بقاياها الغنية بالكربون إلى قاع البحر، حيث يمكن تخزينها لآلاف السنين. هذه العملية، المعروفة باسم "مضخة الكربون البيولوجية"، تلعب دورًا حاسمًا في عزل الكربون من الغلاف الجوي.
  • التيارات المحيطية: تعمل التيارات المحيطية على نقل العوالق النباتية والنفايات الغنية بالكربون لمسافات طويلة، مما يؤثر على توزيع الكربون في المحيطات.

نموذج فضائي مبتكر: تتبع حركة العوالق الحيوانية

النموذج الجديد لا يعتمد فقط على بيانات لون المحيط لتقدير انبعاثات الكربون، بل يدمج أيضًا معلومات حول العوالق الحيوانية، وهي كائنات دقيقة تتغذى على العوالق النباتية. من خلال تتبع حركة العوالق الحيوانية وقياس ازدهارها استجابة للتيارات المحيطية، يقدم النموذج صورة أكثر دقة عن دورة الكربون في المحيطات.

مزايا النموذج الجديد:

  • لا يعتمد على لون المحيط: يتغلب على القيود المفروضة على النماذج التقليدية التي تعتمد على لون المحيط، مما يجعله أكثر دقة في المناطق التي تعاني من مشاكل في جودة المياه.
  • يدمج دور العوالق الحيوانية: يوفر فهمًا أعمق لدور الكائنات الحية في نقل الكربون.
  • يعتمد على بيانات الأقمار الصناعية: يتيح مراقبة واسعة النطاق لدورة الكربون في المحيطات.

نتائج واعدة: نحو فهم أفضل لدورة الكربون

أظهر النموذج الجديد أداءً جيدًا مقارنة بالنماذج التقليدية، مما يؤكد إمكانية استخدام بيانات الأقمار الصناعية لتمثيل تصدير الكربون بدقة. هذه النتائج تقدم رؤى جديدة حول العوامل التي تتحكم في تصدير الكربون، وكيفية تمثيله من الفضاء، وأنماطه المكانية والزمانية في المناطق المحيطية الغنية.

المحيط: "رئة الكوكب" وشريك أساسي في مكافحة تغير المناخ

تؤكد هذه الدراسة على الدور الحيوي للمحيطات في دورة الكربون العالمية. فالمحيطات تمتص حوالي 25% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الأنشطة البشرية، وتلتقط 90% من الحرارة الزائدة الناتجة عن هذه الانبعاثات. بالإضافة إلى ذلك، تنتج المحيطات 50% من الأكسجين الذي نتنفسه.

وكما صرحت مونيك ميسي، كبيرة الباحثين وقائدة فريق تكامل البيانات وعلم المحيطات متعدد التخصصات في معهد أبحاث المحيطات في ماريلاند: "نحن بحاجة ماسة إلى أدوات لرصد العلاقة بين المحيط والكربون على نطاق عالمي. وبالاستفادة من مجموعات متنوعة من البيانات، حددنا مسارا جديدا للمضي قدما لتحسين تقديرات انبعاثات الكربون من الفضاء".

من خلال فهم أفضل لكيفية عمل المحيطات كـ "رئة للكوكب"، يمكننا تطوير استراتيجيات أكثر فعالية للتخفيف من آثار تغير المناخ وحماية هذا المورد الحيوي للأجيال القادمة.

المصدر: موقع الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *