في خضم التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، يظل الملف النووي الإيراني بؤرة اهتمام عالمية، ومصدر قلق مستمر. تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب المتضاربة بشأن هذا الملف تثير تساؤلات حول الاستراتيجية الأمريكية الحقيقية، وتزيد من حالة الغموض التي تلف هذا الموضوع الحساس. فهل تسعى واشنطن إلى تفكيك كامل للبرنامج النووي الإيراني، أم أنها منفتحة على اتفاق معدل؟
مواقف متضاربة تثير الارتباك
أثارت تصريحات ترامب الأخيرة بشأن البرنامج النووي الإيراني حالة من الارتباك في أوساط السياسة الخارجية. ففي حين أكد في مقابلات صحفية رغبته في "تفكيك كامل" للبرنامج النووي الإيراني وإعادة فرض العقوبات القصوى، بدا هذا الموقف متعارضًا مع تصريحات سابقة لمبعوثه الرئاسي للتفاوض مع إيران، ستيفن ويتكوف. هذا التضارب في التصريحات، بالإضافة إلى قرار تأجيل جولة المفاوضات التالية مع طهران، فُسر على أنه تخبط في التعامل مع هذا الملف المعقد.
سيكولوجية التفاوض: استراتيجية الضغط القصوى
يرى بعض علماء النفس السياسي أن أسلوب ترامب التفاوضي يعتمد على تقديم مطالب قصوى، ورفض التنازلات، وطرح مواقف متناقضة، مع تبدل سريع في الرأي وسلوك عدواني واندفاعي. تهدف هذه الاستراتيجية إلى خلق ضغوط إضافية على الطرف المقابل، وإجباره على تقديم تنازلات أكبر. ومع ذلك، يرى آخرون أن هذا الأسلوب قد يكون له نتائج عكسية، ويؤدي إلى تعقيد المفاوضات وزيادة التوترات.
التفكيك الكامل أم اتفاق معدل؟ انقسام في وجهات النظر
تنقسم الدوائر المحيطة بترامب بشأن مستقبل البرنامج النووي الإيراني. ففي حين يدفع تيار نحو القبول بصفقة معدلة على غرار الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة الرئيس باراك أوباما عام 2015، يصر آخرون على استبعاد أي اتفاق دون تفكيك كامل للبرنامج.
- المؤيدون للصفقة المعدلة: يرون أن الإبقاء على برنامج نووي مدني محدود لطهران هو الخيار الأفضل لتجنب أي تصعيد عسكري، أو بديلا عن شن إسرائيل ضربة عسكرية.
- المطالبون بالتفكيك الكامل: يرون أن أي اتفاق مع إيران يجب أن يضمن استحالة استئنافها لبرنامجها النووي بعد مغادرة ترامب لمنصبه، ويشددون على ضرورة وقف التخصيب، ومنع إعادة معالجة البلوتونيوم، والتخلي عن أي أنظمة إيصال نووية.
ضغوط اللوبيات المؤيدة لإسرائيل
تتصاعد الضغوط من قبل اللوبيات المؤيدة لإسرائيل على إدارة ترامب لحثّه على الالتزام بخيار "التفكيك الكامل" للبرنامج النووي الإيراني. وتعتبر هذه اللوبيات أن أي اتفاق مع إيران يشكل تهديدًا لأمن إسرائيل، وتدعو إلى اتخاذ موقف متشدد تجاه طهران.
ردود الفعل الإيرانية والدولية
يرفض الجانب الإيراني بشدة خيار "التفكيك الكامل" للبرنامج النووي، ويعتبره غير واقعي. ويؤكد المسؤولون الإيرانيون أن برنامجهم النووي سلمي، ولا يهدف إلى تطوير أسلحة نووية.
- آراء الخبراء الدوليين: يرى العديد من الخبراء الدوليين أن المطالبة بتفكيك كامل للبرنامج النووي الإيراني غير واقعية، وترسل رسالة بأن الولايات المتحدة غير جادة في التوصل إلى اتفاق متبادل المنفعة مع طهران.
- اتهامات إيرانية لإسرائيل: يتهم المسؤولون الإيرانيون إسرائيل بمحاولة جر واشنطن إلى كارثة جديدة في الشرق الأوسط، والتدخل في السياسات الداخلية الأميركية.
مستقبل غامض
في ظل هذه المواقف المتضاربة والضغوط المتزايدة، يظل مستقبل الملف النووي الإيراني غامضًا. فهل ستتمكن الولايات المتحدة وإيران من التوصل إلى اتفاق يضمن عدم تطوير طهران لأسلحة نووية؟ أم أن التوترات ستستمر في التصاعد، مما يزيد من خطر نشوب صراع إقليمي؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مسار الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
اترك تعليقاً