مقدمة: وهم الاستحقاق وتأثيره المدمر
لطالما تساءلت عن تلك النزعة الخفية التي تتسلل إلى نفوسنا، متسترة بعباءة الحقوق المشروعة، بينما هي في جوهرها صرخة أنانية مقنعة. إنها وهم "الاستحقاق" الذي يدمر العلاقات ويحولها إلى ساحة معركة دائمة. فالمستغرق في هذا الوهم لا يرى الآخرين شركاء في الحياة، بل مجرد أدوات لإشباع شعوره المتضخم بذاته.
سمات الشخصية الاستحقاقية: نظرة فاحصة
- العيش فوق الناس: الشخصية الاستحقاقية لا تتعامل مع الآخرين على قدم المساواة، بل تنظر إليهم من علياء، متوقعة منهم الكمال بينما تغض الطرف عن عيوبها.
- دائم الترقب والعتب: ينتظر باستمرار، يعاتب بكثرة، ويطالب بما لا يقدمه. وإن بادر الآخرون، اعتبر ذلك حقًا مكتسبًا وزاد من توقعاته.
- مركز العلاقات: يسعى لتأكيد ذاته من خلال إبراز نفسه كمركز الاهتمام، لا كطرف مشارك في العلاقة.
- تعظيم الأنا: لا يبحث عن تزكية نفسه الداخلية، بل عن توسيع نطاق امتيازاته الخارجية.
- تقويم العالم بمقياسه: يحاول فرض رؤيته الخاصة على الآخرين، متجاهلاً معايير الحق والعدل.
- شحيح العطاء: يمدح الكرم وهو بخيل، يتبنى شعار الوفاء وهو متقلب، يرفع لواء المبادرة ولا يتحرك.
الاستحقاق: سعي هش لتأكيد الذات
إن المطالبة المستمرة بالتقدير والاهتمام ما هي إلا محاولة يائسة لتأكيد الذات، ليس فقط أمام الآخرين، بل أمام النفس أولاً. الشخص المستحق لا يهدأ إلا عندما يشعر بأنه محور الكون، وأن كل من حوله مسخر لخدمته العاطفية.
الخروج من سجن الذات: طريق العافية الحقيقي
العافية الحقيقية تكمن في التحرر من هذا الوهم، في الخروج من دائرة الذات الضيقة والانفتاح على الآخرين.
- العطاء بالفضل لا بالضغط: الوصول إلى قلوب الآخرين يكون بالإحسان واللطف، لا بالمطالبة والإلحاح.
- الصدق لا التصدر: الكسب الحقيقي يكون بالصدق والتواضع، لا بالتباهي والتظاهر.
- الخلق الحسن لا الاستحقاق: القلوب لا تُملك بالاستحقاق، وإنما تُكسب بالخلق الرفيع.
رسالة إلى الإنسان الاستحقاقي
تصبح على خير أيها الإنسان الذي يرى نفسه فريدًا ومستحقًا لكل شيء. خذ نفسًا قصيرًا، فصبر الآخرين عليك محدود. تذكر أن العالم ليس جمعية خيرية لإرضاء رغباتك، وأن الناس ليسوا عبيدًا لأهوائك. ارفق بنفسك، واخرج من سجن ذاتك الفخمة قليلًا.
خاتمة: جمال العلاقات في نسيان الذات
لعلّك تكتشف أن أجمل العلاقات تبدأ حين تنسى نفسك، لا حين تُذكّر بها في كل دقيقة. نم هانئًا، ولا تنسَ أن تُطالب القمر بأن يضيء غرفتك أولًا، قبل أن تُدوِّن ملاحظة تقصيره في دفتر استحقاقاتك.
اترك تعليقاً