تفسير آية (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور): جزاء الكفر وعاقبته
تتناول هذه المقالة تفسير آية كريمة من سورة سبأ، وهي الآية رقم 17: ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾. سنستعرض تفسيراتٍ مُختلفةٍ لهذه الآية من مصادرٍ موثوقة، ونُلقي الضوء على معنى الكفر وعاقبته في الإسلام.
سياق الآية وموقعها
تقع الآية الكريمة (﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾) في سورة سبأ، الآية 17. وتأتي الآية في سياق سرد قصة قوم سبأ الذين أنعم الله عليهم بنعمٍ عظيمة، ثم كفروا بنعم الله وعصوه، فكان جزاؤهم الهلاك. تُوضح الآية العلاقة السببية بين الكفر والعقاب الإلهي.
تفاسير الآية الكريمة
تُقدم لنا العديد من التفاسير شرحًا مُفصلاً لهذه الآية، منها:
تفسير الواحدي:
يقول الواحدي في كتابه "الوجيز في تفسير الكتاب العزيز": "﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا﴾ أي: جزيناهم ذلك الجزاء بكفرهم ﴿وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾ بسوء عمله وذلك أن المؤمن تُكفَّر عنه سيئاته والكافر يُجازى بكل سوءٍ يعمله". يُبين هذا التفسير أن العقاب هو نتيجة طبيعية لكفرهم، وأن الله يُجازي الكافر على أفعاله السيئة.
تفسير البغوي:
يُضيف البغوي في كتابه "معالم التنزيل" تفاصيل حول القراءات المختلفة للآية: "﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِما كَفَرُوا﴾، أي ذلك الذي فعلنا بهم جزيناهم بكفرهم، ﴿وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾، قرأ حمزة والكسائي وحفص ويعقوب «وهل نجزي» بالنون وكسر الزاي، «الكفورَ» نصب لقوله: ذلك جزيناهم، وقرأ الآخرون بالياء وفتح الزاي، «الكفورُ» رفع أي وهل يُجازى مثل هذا الجزاء إلا الكفور، وقال مجاهد: يُجازى أي يُعاقب. ويقال في العقوبة: يُجازي، وفي المثوبة يجزي، قال مقاتل: هل يُكافأ بعملِهِ السيء ﴿إِلَّا الْكَفُورُ﴾ لله في نعمه. قال الفرّاء: المؤمن يُجزى ولا يُجازى أي يُجزى للثواب بعمله ولا يُكافأ بسيئاته." يُوضح هذا التفسير الاختلافات في القراءة، بالإضافة إلى توضيح الفرق بين الجزاء على الحسنات والجزاء على السيئات.
معنى الكفر وعواقبه
يُشير الكفر هنا إلى إنكار نعم الله، وعدم الشكر عليها، والعصيان المتعمد لأوامره. وإنكار نعم الله لا يقتصر على إنكار وجوده، بل يتعداه إلى إنكار فضله ورحمته. وعاقبة الكفر، كما تُبين الآية، هي الجزاء العادل من الله، وهو جزاءٌ يتناسب مع حجم الكفر والمعصية. يُبرز هذا التفسير أهمية الشكر لله تعالى على نعمه، والبعد عن المعاصي.
الخاتمة
تُؤكد آية (﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾) على العلاقة السببية بين العمل والجزاء، وأن الله عادلٌ في جزائه، يُجازي كل نفس بما كسبت. وتُحذرنا الآية من مغبة الكفر ونواقضه، وتدعونا إلى الشكر لله على نعمه، والعمل الصالح الذي يُرضيه.
اترك تعليقاً