تفسير آية "قد خلت من قبلكم سنن": عبرةٌ من الماضي، ودليلٌ للمستقبل
تتناول هذه المقالة تفسير الآيتين الكريمتين: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٣٧، ١٣٨]، مُستعرضةً معاني الكلمات، وسياق النزول، والعِبر المستفادة.
معنى الآيات الكريمة:
تبدأ الآية الكريمة بالتأكيد على أنَّ سننًا قد مضت على الأمم السابقة، داعيةً إلى التأمل في مصائر من كذبوا الرسل. كلمة "سنن" هنا تعني الطرق المستقيمة أو القوانين الإلهية، كما جاء في قوله تعالى: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ﴾ [الأحزاب: ٣٨]. وتشير الآية إلى ضرورة الاستفادة من تجارب الماضي، من خلال السير في الأرض والنظر في عاقبة المكذبين. فهي دعوةٌ للتأمل والتدبر في تاريخ الأمم السابقة، وكيف عاقب الله من جحدوا رسله.
كذلك تُشير كلمة "خلت" إلى زوال تلك السنن واندثار تلك الأمم، مُبينةً أنَّ مصير المكذبين كان الهلاك والعقاب. في حين أنَّ الآية الثانية تُؤكد على أنَّ القرآن الكريم بيانٌ للناس جميعًا، وهو هُدىً للمؤمنين، وموعظةٌ خاصة للمتقين الذين يستفيدون منه أكثر.
سياق النزول:
يرجع بعض المفسرين نزول هذه الآيات إلى ما حدث في غزوة أحد، حيثُ قتل عدد من المسلمين، وجُرح آخرون. فكانت الآيات بمثابة تسليّة وتذكير للمؤمنين بأنَّ ما حدث لهم قد حدث لأممٍ سابقة، وأنَّ النصر النهائي لله ولأوليائه المتقين.
العِبر المستفادة من الآيات:
تُبرز الآيات الكريمة العديد من العبر المهمة، منها:
- التأمل في سنن الله: يجب على الإنسان أن يتأمل في سنن الله في الأمم السابقة، وأن يستفيد من تجاربهم.
- عاقبة الكفر والمعصية: تُبين الآيات عاقبة الكفر ونكران الرسل، وهي الهلاك والعذاب.
- أهمية اتباع الهدى: تُشجع الآيات على اتباع الهدى الإلهي المتمثل في القرآن الكريم، والتمسك بالدين الحق.
- موعظة للمتقين: تُعد الآيات موعظةً خاصة للمتقين الذين يخشون الله ويتقونه.
تفسير قوله تعالى: "هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين":
يُفسر بعض العلماء "هذا بيان للناس" بأنه إشارة إلى القرآن الكريم، فهو بيانٌ يُزيل الشكوك ويوضح الحقائق. أما "وهدى" فهو يرشد الناس إلى الطريق المستقيم، بينما "وموعظة للمتقين" فهي تنبيهٌ خاص للمتقين الذين يتقون الله ويخشونه. وتخصيص المتقين بالذكر رغم أنَّ البيان للناس جميعًا، يُبرز أنَّهم هم الأكثر استفادةً من هذه الموعظة والتذكير. فكما قال تعالى: ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها﴾ [النَّازِعَاتِ: ٤٥].
باختصار، تُعدُّ هذه الآيات الكريمة درسًا قيّمًا في التاريخ الإسلامي، وتُشكل مَصدَرًا مهمًا للاستفادة من التجارب السابقة، وتذكيرًا بأهمية التمسك بالدين الحق والخوف من عقاب الله.
اترك تعليقاً