جيل السرعة والتفاهة: كيف نعيد المسؤولية ونواجه انحدار المحتوى؟

عصر السرعة والتفاهة: تحديات تواجه جيل المستقبل

يشهد عالمنا اليوم تحولاً متسارعاً، فبعد أن كانت المنتديات هي المنصات الرائدة، انتقلنا إلى تويتر، ومن مقاطع الفيديو الطويلة على يوتيوب إلى "الريلز" و"الشورتس" القصيرة. حتى في مجال الدراسة، بات الاتجاه نحو الملخصات السريعة بدلاً من التعمق في الكتب والمحاضرات. هذه التغيرات، التي باتت سمة مميزة لهذا العصر، تشكل تهديداً حقيقياً على مستويات متعددة، وتستدعي وقفة جادة.

تراجع الجدية واستسهال المحتوى: خطر يهدد النهضة

أصبح الميل نحو سهولة المنال هو السائد، وتراجعت الجدية والاهتمام بالمعرفة العميقة. لا يمكن بناء جيل ناجح أو تحقيق النهضة بجيل يستثقل محاضرة من ساعتين أو يعجز عن إتمام كتاب. انعدمت الإنجازات الحقيقية، إلا ما كان يوافق هوى النفس أو ما تفرضه ضرورات الحياة.

يزيد الأمر تعقيداً أن هذه السرعة والسهولة أصبحتا طبعاً متأصلاً في النفس، فلا تقبل إلا ما يوافق هذا الطبع الكسول الذي ألفته، والذي غالباً ما يكون محتوى تافهاً، منزوع القيمة والمعنى. هذا الانحدار لرغبات النفس والاستكانة للهوى لا يوصل إلى أي هدف نبيل، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي.

نحو جيل مسؤول: انتشال الشباب من مستنقع التقاعس

من أهم الأولويات التي يجب أن نوليها اهتماماً خاصاً لأنفسنا، ولمن نحبهم، وللطلاب والمتربين، هي انتشالهم من حفرة التقاعس والرضوخ للهوى، أو ما يُعرف اليوم بـ "منطقة الراحة" (Comfort Zone). يجب أن نساعدهم على الخروج منها إلى منطقة الهمة والبصيرة بالواقع، وإلى دائرة القوة والعمل. فبدون هذه الخطوة، لا يمكن أن نأمل في تحقيق الصلاح والتقدم.

قد يرى البعض أن تغيير هذا الواقع صعب، وأن قلب شاب مستغرق في الألعاب ووسائل التواصل الاجتماعي إلى شخص ذي همة وعمل يتحمل مسؤولية نفسه وأمته أمر مستحيل. ولكن هذا ليس صحيحاً. لقد شهدنا بأعيننا كيف تحول مسار حياة العديد من الأصدقاء والطلاب، وكيف تفوقوا على من كان لهم أسبق، وكيف تبدلت أهدافهم وغاياتهم.

استراتيجيات عملية لإعادة بناء المسؤولية والهمة

إليك بعض الطرق العملية التي يمكن أن تساعد في رفع همة الطلاب وإخراجهم من هذه القوقعة:

  • التبصير بواقع الأمة: توضيح صعوبة الوضع الراهن للأمة والتحديات التي تواجهها على كافة الأصعدة.
  • كشف مخططات الأعداء: تبيين تربص الأعداء وكشف مخططاتهم الخبيثة.
  • بناء القدوات الحسنة: تقديم نماذج ملهمة من الشخصيات الناجحة والتذكير بالأمجاد التاريخية.
  • تعزيز التزكية والإيمان: رفع مستوى التزكية في النفوس وترسيخ دعائم الإيمان، مع التركيز على:
    • الإيمان بالله ومحبته والعبودية له.
    • ترسيخ مركزية الآخرة.
  • توعية الطلاب بمآسي الأمة: التبصير بحجم مآسي الأمة وكثرة مشاكلها، والحاجة الماسة لمن يقوم بالدين.
  • تعريف بواجب المسلم تجاه أمته: توضيح واجبات المسلم تجاه أمته، مع ذكر أمثلة لشخصيات أصلحت في الواقع ببذلها وعطائها. (يمكن الاستفادة من أبواب متن المنهاج من ميراث النبوة: باب في تحمل الفرد مسؤولية التكليف تجاه نفسه وغيره، والباب الذي يليه).
  • العلاقة الخاصة بين الطالب والمربي: بناء علاقة قوية ومؤثرة بين الطلاب وأساتذتهم أو مربيهم.
  • التوجيه المباشر للتخفيف من استهلاك المحتوى التافه: تقديم نصائح وتوجيهات عملية للتخفيف من استهلاك المحتوى التافه والضار.
  • استعراض محتوى هادف: عرض بعض البودكاستات أو المقاطع التي تتحدث عن أضرار وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب، أو عن خطر التفاهة.
  • ورش عمل تفاعلية: إقامة ورش عمل يقوم فيها الطلاب بكتابة:
    • أضرار هذه الأمور وخطرها.
    • كيف يمكن التخلص منها.
    • كيف يمكن أن يصرفوا وقتهم بشكل فعال (بدلاً من الوقت الذي كان يضيع فيها).
    • يمكن للمشرف إضافة ما يراه مناسباً بحسب الطلاب وحالهم.

مزاحمة الشر بالخير: طريق الخلاص

إن مزاحمة النفس بالخير سيؤدي، ولو بعد حين، إلى اضمحلال الشر فيها. فدوام تماس الطلاب مع المضامين العالية والمحتوى الخيّر يصلح نفوسهم وقلوبهم وأحوالهم، ويبعدهم تدريجياً عن مواطن الزلل، ويرتقي بهم شيئاً فشيئاً.

وكلما تم علاج المشكلة في عمر أبكر، كلما كان أسهل في الإقناع وأفضل في الثمرة. وصلاح حال الطالب في هذا يعظّم من حسنات المربي الذي انتشله من الغياهب وأرشده سبيل الهدى.

إن تحمل المسؤولية ونبذ الكسل هما أول خطوات الترقي، وتحتهما كل خير.

المصدر: موقع طريق الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *