قمع الأصوات المؤيدة لفلسطين: هل تتلاشى حرية التعبير في الغرب؟
لطالما تباهت الدول الغربية بحرية التعبير كحجر الزاوية في ديمقراطياتها، معتبرةً إياها حقًا مقدسًا لا يمكن المساس به. لكن هذا الشعار المثالي سرعان ما يتلاشى عندما يتعلق الأمر بالتعبير عن التضامن مع فلسطين، أو انتقاد السياسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني. فجأة، يتحول التعبير عن الرأي إلى "جريمة" يُعاقب عليها صاحبها بالفصل من العمل، أو الإقصاء الاجتماعي، أو حتى التحقيق الجنائي.
أصوات مُكمَّمة: عقوبات على التعاطف مع فلسطين
في سيناريو يتكرر بشكل مقلق، تم فصل العديد من الموظفين والصحفيين والرياضيين في الغرب لمجرد تعبيرهم عن تضامنهم مع غزة، أو انتقادهم لما وصفوه بانتهاكات إسرائيلية. إليكم بعض الأمثلة الصارخة:
- في الولايات المتحدة: أُجبر صحفيون على الاستقالة أو تم فصلهم بعد نشر تغريدات تدين قصف غزة أو تنتقد السياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية. من أبرز الحالات فصل الصحفية إميلي وايلدر من وكالة "أسوشيتد برس" بسبب إعادة نشر تغريدات مؤيدة لفلسطين تعود لفترة دراستها الجامعية.
- في ألمانيا: واجه أكاديميون ونشطاء قيودًا وتضييقات، بما في ذلك إلغاء محاضراتهم ورفض تثبيتهم في مناصبهم، بسبب مواقفهم الداعمة لفلسطين. لم يسلم من ذلك حتى يهود معارضون للصهيونية. كما قام نادي ماينز بفسخ عقد لاعبه أنور الغازي بسبب منشورات تنتقد العدوان على غزة.
- في كندا: طُردت الصحفية الفلسطينية زهراء الأخرس من شبكة "غلوبال نيوز" بسبب مواقفها المؤيدة لفلسطين.
- في فرنسا: كشف صانع المحتوى المصري كريم قباني عن فصله من شركته بسبب آرائه حول غزة، منتقدًا ازدواجية المعايير بعد الإبقاء على زميلة له داعمة لإسرائيل.
- في بريطانيا: تم فصل مارك بونيك من نادي أرسنال بعد 22 عامًا من الخدمة بسبب تعبيره عن غضبه تجاه ما يحدث في غزة. كما استغنت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عن خدمات غاري لينيكر بعد مشاركته منشورًا مؤيدًا لفلسطين.
حرية التعبير المشروطة: القضية الفلسطينية كاستثناء
تكشف هذه الحالات عن اتجاه مقلق نحو قمع الأصوات المتعاطفة مع الفلسطينيين، حتى لو كانت هذه الأصوات تنطلق من منطلقات إنسانية بحتة. بينما يُسمح بالتعبير الحر في معظم القضايا، يبدو أن القضية الفلسطينية تُعامل كاستثناء.
الأخطر من ذلك، أن انتقاد السياسات الإسرائيلية يُساوى أحيانًا بمعاداة السامية، مما يفتح الباب للتجريم والملاحقة ويغلق الباب أمام النقاش الحر، حتى لو كان مرتكزًا إلى مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان. يجب التمييز بين انتقاد الممارسات الإسرائيلية ومعاداة السامية، وهو ما دعا إليه العديد من الكتاب والأكاديميين والفنانين اليهود.
ازدواجية المعايير: أوكرانيا وغزة
تزداد حدة التناقض عندما نرى نفس الدول والمؤسسات التي تدعم أوكرانيا وتُشيد بمن يُدين الاحتلال الروسي، تعاقب من يندد بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. هذه الازدواجية لا تضرب مصداقية شعارات حرية التعبير فحسب، بل تفضح انحيازًا سياسيًا على حساب القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية.
الحرية لا تتجزأ
إذا كانت حرية التعبير قيمة حقيقية، فيجب أن تشمل الجميع دون استثناءات مبنية على خلفيات سياسية أو مصالح دولية. أما إذا ظلت محصورة فيما يناسب الرواية الغربية الرسمية، فإنها تتحول إلى أداة إقصاء وليست حقًا إنسانيًا.
التضامن مع غزة ليس جريمة، بل هو موقف أخلاقي يستحق الاحترام لا الإدانة. يجب أن يكون الحق في التعبير عن هذا التضامن مكفولاً دون خوف من العقاب.
اترك تعليقاً