خطبة عيد الأضحى المبارك: رسالة توجيهية للمسلمين

خطبة عيد الأضحى المبارك: رسالة توجيهية للمسلمين

خطبة عيد الأضحى المبارك: رسالة توجيهية للمسلمين

مقدمة

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مُضل له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد…

فاتقوا الله – عباد الله – حق التقوى، واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى. واعلموا بأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عيد الأضحى: مناسبة للتذكر والتوبة

عباد الله: ها هو العيد يعود، ويُطلّ على الأمة، ويكسو المسلم اليوم فرحة عظيمة يشعر بها بين جوانحه، فيعبّر عنها المؤمن باحتفاله في هذا اليوم المجيد، العظيم يوم النحر. تذكروا نعمة الله علينا بأن رزقنا الأمن والأمان بإقامتنا لشريعته، واتباعنا لنهج نبيه، عليه الصلاة والسلام. فلنحذر، فلنحذر من دعاة الفتنة والشر الذين يسعون لإبدال نعمة الله علينا بالأمن والاستقرار إلى التفرق والتشّتت والضياع، كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴾ [إبراهيم: 28، 29].

التكبير: رمز التوحيد والعبادة

وما إن دخل العيد حتى زادت الألسن بالتكبير، وذكر الله في بيوت الله، وبيوت المؤمنين، وفي الطرقات، وفي الأسواق. يأمرنا الله تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 203]. لقد تشَنفت الآذان، وعباد الرحمن يُحيون سنة عظيمة، سنة التكبير، يلهجون بالتكبير في كل فجّ الأرض، ويتقدّمهم تكبير الحجاج الذين وقفوا بالأمس في عرفات مُلبيين، ومكبّرين، ومُهلّلين؛ فشعارنا التكبير: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا). الله أكبر توحيدًا خالصًا، الله أكبر توجّهًا صادقًا نحو تعظيم الله وتوقيره.

أداء مناسك العيد: صلاة الأضحى والضحايا

عباد الله، لقد أتيتم في هذا اليوم العظيم، الذي هو أعظم أيام السنة عند الله تعالى، لتؤدّوا هذه الصلاة المباركة، ثم تتقرّبوا إلى الله تعالى بالضحايا. وإخوانكم الحجاج الآن في نسك رمي الجمرات، والطواف بالبيت الحرام، والحلق والتقصير، ونحر الهدي؛ فياله من عباداتٍ جليلة! وشعائر عظيمة! في أيام كريمة، رأسها وتاجها يوم النحر، يوم التقرب لله تعالى بالدماء، ونسك الأنعام. هذا اليوم الذي قال فيه النبي، صلى الله عليه وسلم: «أمرت بيوم الأضحى عيدًا جعله الله عز وجل لهذه الأمة» رواه ابن حبان وغيره بسند صحيح.

إننا اليوم في يوم العجّ والثّجّ، يوم النحر، وإراقة دماء الهدي في المشاعر، والأضاحي في البلدان. قال، صلى الله عليه وسلم يوم النحر: «إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا الصلاة، ثم النحر؛ فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل الصلاة، فإنه إنما هو لحم عجّله لأهله، ليس من النسك في شيء» رواه البخاري. فتقرّبوا إلى الله تعالى بالضحايا، وكلوا، وأهدوا، وتصدقوا، وكبّروا الله تعالى إذ هداكم، واشكروه على ما أعطاكم.

التوحيد وخشية الله

أيها الموحدون: املأوا قلوبكم تعظيمًا لله تعالى وإجلالًا، واستشعروا عظمته في أحوالكم كلها، وفي عباداتكم جميعها. استشعروا عظمته سبحانه، وأنتم له ترْكعون وتسجدون، واستشعروا عظمته (عز وجل)، وأنتم له تذبحون وتنسكون. واستشعروا عظمته، وأنتم تُقلبون أبصاركم في ملكوت السماوات والأرض.

رسالة النبي محمد: التوحيد ومحاربة الشرك

أيها المسلمون: ودّع رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، الناس في مكة في حجّة الوداع بعدما قضى ثلاثًا وعشرين سنة في الدعوة والرسالة. فياله من رسالة خالدة! جاءت بالرحمة، والرأفة للناس أجمعين! رسالة جاءت بطمس الوثنية، وإزالة أودار الجاهلية! نور جاء لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. لقد جاء صلى الله عليه وسلم بالتوحيد الخالص، الذي هو حق الله على العبيد، ففي مكة في بداية دعوته صلى الله عليه وسلم قال للناس: (عبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم) [رواه البخاري]. وفي آخر حياته قال: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) [متفق عليه] يحذّر مما صنعوا من الشرك. حذّر، صلى الله عليه وسلم، من الشرك كله: صغيره وكبيره، دقيقه وجليله، يأتي رجل فيقول له: ما شاء الله وشئت! فيردّ عليه ويقول (أجعلتني لله ندًا؟ بل ما شاء الله وحده) [رواه أحمد بسند صحيح]. وعلّموا من حولكم أسماء الله وصفاته، وأخبروهم بحقوق الله عز وجل، وأنه أمر بصالح الأعمال وحثّ على جميل الأخلاق: أمر بالصلاة والزكاة والصوم والحج، ورغّب في الصدق والعفاف، وأمر ببرّ الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى المرأة واليتيم والفقير، ونهى عن: الظلم، والجور، والكذب، والغش، والزور، والمُسكرّات، والربا، والزنا.

التوكل على الله

عباد الله: وعليكم بالتوكل على الله عز وجل، فلا تعلق بالحول والقوة، ولا ركون إلى أحد إلا إلى الله تعالى، وحوله وقوته. مع الاستعانة بالله تعالى على مكروه القدر ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التغابن: 11]، والتوكل عليه وحده لا شريك له؛ فالأمر أمره، والملك ملكه، والخلق خلقه، والعبيد عبيده، ﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ [هود: 123]. والاعتصام بالله دون سواه، مع تعويد النفس على الصبر، وكثرة العبادة ﴿ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [الحج: 78]. اللهم ردّنا إليك ردًا جميلًا، واختم بصالحات آجالنا. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخُطبة

المصدر: شبكة الألوكة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *