#
مقدمة: الأمانة جوهر الدين
عباد الله، اتقوا الله حق التقوى، واعلموا أن دين الإسلام هو دين الأمانة والوفاء، دينٌ يُعلي من شأن النصح والإخلاص، وينبذ الخيانة والمكر والجفاء. قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له".
الخيانة: صفة مذمومة في الشريعة
الخيانة هي نقيض الأمانة، وقد ورد في الشريعة الإسلامية ذمها والتحذير منها. يكفينا قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58]. كما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الخيانة، ويصفها بأنها "بئست البطانة".
خيانة المجالس: وباء العصر
من بين صور الخيانة المتعددة، تبرز في هذا العصر آفة خطيرة، ألا وهي خيانة المجالس وعدم حفظ الأسرار التي يُؤتمن عليها المرء.
صور خيانة المجالس
- تسجيل المكالمات ونشرها: تسجيل المكالمات الهاتفية أو المقاطع الصوتية عبر وسائل التواصل دون علم المتحدث أو إذنه، مما قد يلحق الضرر به ويفسد العلاقات.
- مكبرات الصوت: فتح الجوال على مكبر الصوت أثناء الرد على المكالمات دون إعلام المتصل، وهذا لا يجوز إلا بإذنه.
- أسرار الزوجية: نشر الأسرار الزوجية، وهو من أشد أنواع الخيانة، وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها".
آثار خيانة المجالس
- فقدان الثقة: تؤدي خيانة المجالس إلى فقدان الثقة بين الناس، وانتشار الشك والريبة.
- القطيعة: تسبب القطيعة بين الأقارب والأصدقاء، حيث يشعر كل شخص أن أسراره لم تعد آمنة.
- انتشار الفتن: كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم أيام الفتن: "حين لا يأمن الجليس جليسه".
نماذج من السلف في حفظ الأسرار
لقد حرص الصحابة وسلف الأمة على حفظ المجالس وأسرارها، ومما يدل على ذلك:
- قصة أنس بن مالك: عندما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة، وأخبر أمه أنها سر، فقالت: "لا تحدثن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا".
- ابن عمر: ضرب صدر رجل دخل بينه وبين آخر يتناجيان، مستندًا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا تناجى اثنان فلا تجلس إليهما حتى تستأذنهما".
- ابن عباس: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، صب في أذنه الآنك".
- الحسن البصري: قال: "إنما تجالسوننا بالأمانة، كأنكم تظنون أن الخيانة ليست إلا في الدينار والدرهم، إن الخيانة، أشد الخيانة أن يجالسنا الرجل، فنطمئن إلى جانبه، ثم ينطلق فيسعى بنا".
المحافظة على الأسرار: مطلوب شرعًا وعقلًا
إن المحافظة على الأسرار وكتمان ما يدور في المجالس مرغوب فيه عقلًا ومأمور به شرعًا. وقد حذر الشارع الحكيم من هتك الأستار وتتبع الأسرار، قال تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12].
المجالس بالأمانات
المجالس بالأمانات، وإفشاء أسرارها حرام، إلا إذا كان المجلس يُخطط فيه للإجرام، من سفك دم حرام أو كيد لأهل الإسلام.
خاتمة: اتقوا الله في أماناتكم
فاتقوا الله في أماناتكم، واحفظوا أسرار إخوانكم، وتذكروا قول الشاعر:
لا يكتم السر إلا من له شرف ** والسر عند كرام الناس مكتوم
اترك تعليقاً