سقوط الطاغية بشار الأسد | من النصر إلى التمكين

سقوط الطاغية بشار الأسد | من النصر إلى التمكين

الفصل الأول: مقدمة – تحولات تاريخية في سوريا

الحمد لله الذي جعل للأمم مآلات وللدهور آيات، وكتب على الظالمين نهايةً مهما اشتد طغيانهم. جعل الله للعدل في الأرض ميزانًا وللمظلوم سندًا، وإن التاريخ شاهد على هذا القانون الإلهي الذي لا يتبدل ولا يتغير.

أما بعد، فقد كانت الشام، أرض البركة والملاحم، مسرحًا لتحول عظيم يعيد رسم مسار الأمة الإسلامية. في هذا الحدث التاريخي، انقلبت موازين القوى، وسقط الطاغية الذي استبد بعباد الله وحكم فيهم بالظلم والقهر، ونُزع منه ملكه الذي كان يظنه خالدًا. لقد انتهى عهدٌ مظلم تجرعت فيه سوريا وشعبها مرارات القهر والفساد، ليبدأ عهد جديد يرتفع فيه لواء الحق وتُبسط فيه معالم العدل.

إن الشام، بموقعها الجغرافي والروحي، كانت على مر العصور مهدًا للرسالات السماوية ومعقلًا للمجاهدين. فهي التي شهدت عبور الجيوش الإسلامية الأولى في الفتوحات الكبرى، وكانت أرضًا شهدت ملحمة اليرموك وصلاح الدين الأيوبي وفتوح العثمانيين. كيف لا تكون هذه الأرض مباركة وهي التي قال فيها النبي ﷺ: “طوبى للشام”؟

وقد جاء هذا الحدث ليضيف صفحة جديدة إلى تاريخ الشام الحافل، صفحةً تُمثل نقلة نوعية في مسار الأمة، إذ أعاد للشام دورها التاريخي كمنارة للعدل والإيمان. إن إسقاط النظام الطاغي ليس مجرد حدث سياسي أو عسكري، بل هو تحول حضاري يُعيد للأمة جزءًا من هويتها المفقودة. فهو يُجسد وعد الله بنصر عباده المؤمنين، ويبعث برسالة أمل لكل المظلومين أن الصبر والثبات هما مفتاح الفرج.

هذا الحدث ليس فقط نقطة تحول في تاريخ سوريا، بل هو صفحة مضيئة في تاريخ الأمة الإسلامية جمعاء، تُلهم الأجيال القادمة بفهم جديد لقيمة التمسك بالحق والعمل لأجل الدين. إنه دليل على أن الأمة قادرة على النهوض متى استجمعت قواها واتحدت صفوفها، فكانت كما وصفها الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.

الفصل الثاني: سقوط نظام الأسد – أسباب ودلالات

فيا قارئ التاريخ ومعتبر الأيام، اعلم أن سنة الله في خلقه لا تبديل لها ولا تحويل، وأنه إن أمهل الظالم، فإنما يمهله ليأخذَه أخذ عزيز مقتدر. فها هو نظام الأسد، الذي طغى واستبد، يلقى مصيره المحتوم بعد أن ملأ الأرض جورًا وعدوانًا، وسفك الدماء، ونشر الخراب في ربوع الشام. لقد كان سقوطه نتيجة طبيعية لسنواتٍ من الظلم المتراكم، وسياساتٍ لم تُبقِ حرمةً لدينٍ ولا لشعبٍ ولا لوطن.

أسباب سقوط النظام
إن من أهم الأسباب التي أدت إلى انهيار هذا النظام:

  1. الظلم الفاحش وسفك الدماء:
    لقد بسط النظام سلطته بقوة الحديد والنار، فلم يتورع عن قصف المدن والقرى، وقتل الأبرياء، وتشريد الملايين. ولم يكن هذا الظلم ليندثر في ذاكرة الشعب، بل تراكم كالنار تحت الرماد، حتى أتى يومٌ ألهب فيه الشعب هذه النار، فانفجر البركان الذي أسقط الطاغية.
  2. غياب العدل واستشراء الفساد:
    كان نظام الأسد نموذجًا للحكم المستبد الذي يكرس الثروة والسلطة في يد فئة قليلة. فقد انهار الاقتصاد، واستفحلت المحسوبية والرشوة، حتى صارت البلاد مزرعةً لعائلة واحدة وأتباعها. ولطالما كان الفساد علامةً على قرب زوال الدول، كما قال ابن خلدون: “الظلم مؤذن بخراب العمران.”
  3. الاستبداد السياسي وغياب الحريات:
    قام النظام بكمّ الأفواه، ومطاردة الأصوات الحرة، وحوّل سوريا إلى سجن كبيرٍ تُعدم فيه الكرامة الإنسانية. ولم تكن الثورة إلا نتيجةً لانفجارٍ طالما حاول الشعب كتمانه في ظل القهر والتضييق.
  4. صمود الشعب وتضحياته:
    إن أبرز الأسباب التي عجّلت بسقوط النظام هي صمود أهل الشام، رغم التآمر الدولي والإقليمي. فقد صبروا على المآسي، وقدموا التضحيات تلو التضحيات، إيمانًا منهم بأن العدل لا يُقام إلا بالثبات والنضال.

الدلالات والدروس المستفادة
إن سقوط النظام يحمل في طياته دروسًا عظيمة للأمة الإسلامية وللعالم بأسره:

  1. أن الظلم لا يدوم:
    مهما طال أمده، فإن مصير كل ظالمٍ الهلاك. وهذا السقوط شاهدٌ على أن القوة لا تصمد أمام إرادة الشعوب إذا كانت قائمة على الحق.
  2. الوحدة قوة والفرقة ضعف:
    لقد أثبتت الثورة السورية أن اجتماع الكلمة على الحق هو مفتاح النصر. ولكن أيضًا، فإن التفرقة التي أصابت صفوف الأمة أضعفتها وأطالت أمد المحنة.
  3. أهمية الإيمان والصبر:
    لقد كان إيمان المجاهدين بعدالة قضيتهم، وصبرهم على البلاء، هو ما مكّنهم من الثبات أمام آلة القمع والتدمير. فالنصر، وإن تأخر، كان نتيجة حتمية لثبات المؤمنين.
  4. رسالة أمل للأمة:
    إن ما جرى في سوريا ليس نهاية المطاف، بل هو بداية لعهد جديد تُبنى فيه الدولة على أسس العدل والشريعة، ويكون الشعب هو السيد لا المستعبد.

فهذا الحدث العظيم، وإن كان مكلفًا في تضحياته، إلا أنه زرع الأمل في قلوب الأمة بأن الظلم مهما اشتد، فإن وعد الله آتٍ لا محالة. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}.

الفصل الثالث: دور رجال الله في تحرير الشام

أما رجال الله، فهم أولئك الجنود الذين كتبوا بدمائهم صفحات المجد، ونذروا أنفسهم للذود عن حياض الدين والدفاع عن المستضعفين. هم الرجال الذين تركوا الدنيا وراءهم، واختاروا طريق الجهاد رغم ما فيه من مشقةٍ وخطر. ما كانت ثورتهم مجرد انتفاضة شعبية، بل كانت مشروعًا إيمانيًا حملوا فيه راية الحق في وجه الظلم والطغيان.

صفات رجال الله وبطولاتهم

  1. الإيمان العميق والثقة بنصر الله:
    لقد كان إيمانهم بنصر الله هو الوقود الذي دفعهم للصمود أمام أعتى آلات الحرب. في أوج المحن، كانت آيات القرآن وأحاديث النبي ﷺ زادهم في الثبات. ألم يقل الله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}؟
  2. الشجاعة التي لا تعرف الخوف:
    وقف رجال الله في ميادين القتال وكأنهم جبال راسيات، يواجهون الطائرات والدبابات بأسلحة بسيطة، لكن بقلوب مليئة بالإيمان. لقد أذاقوا الظالمين الويلات، وكسروا هيبة الجيوش التي ظنها الطاغية لا تُهزم.
  3. التضحية دون حدود:
    لم تكن أرواحهم عزيزة عليهم في سبيل الله، بل بذلوها رخيصة دفاعًا عن الدين والأمة. استشهد كثير منهم، لكنهم لم يذهبوا دون أثر، فقد تركوا خلفهم إرثًا من العزة والكرامة.

إحياء الشام ببطولاتهم
لقد كان لرجال الله دورٌ محوري في تحرير الشام من الطغيان، فهم الذين زرعوا الأمل في قلوب الأمة. بفضلهم، استعادت الشام جزءًا من هويتها الإسلامية، وعادت لتكون مركزًا للعدل والخير.

لقد صنعوا من تضحياتهم مدرسة في الثبات والإيمان. فمن صبرهم تعلمنا أن القوة الحقيقية ليست في العتاد، بل في الصدق مع الله والإخلاص له. لقد حقق الله على أيديهم وعده بالنصر، كما قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.

رجال الله والوعد الإلهي
إن ما صنعه رجال الله في الشام ليس مجرد انتصار عسكري، بل هو تحقيق لوعد الله بتمكين المؤمنين. كان نصرهم رسالة للأمة بأن التوكل على الله، والعمل بجد وثبات، كفيلان بإحداث التغيير.

الفصل الرابع: الحكم بالشريعة الإسلامية – مفهومه وأهدافه

أما بعد، فإن الحكم بالشريعة الإسلامية هو غاية الغايات، وذروة السنام في طموحات المؤمنين، إذ هي الحبل المتين الذي يصعد به الخلق من ظلمات الجهل إلى نور العدل، وهي الميزان الذي تزن به الأمم أنفسها، فتُعلم كم بلغت من رضا الله، وكم حادت عن الطريق المستقيم.

الشريعة، يا أخي، ليست بقولٍ يُقال، ولا بشعارٍ يُرفع، بل هي نظامٌ يُقام، وحكمٌ يُبسط على القلوب قبل أن يُبسط على الأبدان، لأنها منهاجٌ من عند الحكيم العليم، الذي يعلم السر وأخفى، والذي خلق البشر وأدرى بما يُصلحهم. فإن قال قائل: “وما الشريعة إلا أحكامٌ تنظم المعاملات وتقيم الحدود!” قلنا له: هي أعظم من ذلك وأجلّ، فهي التي تعلمك كيف تعبد ربك، وكيف تعامل نفسك، وكيف تصلح دنياك وآخرتك.

وكيف لا تكون الشريعة كذلك، وهي كتاب الله المنزل على نبيه المصطفى، وهي الكلمة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها؟ أليس الله قد قال: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}؟ أفتُرى للبشر نظامًا أعدل من نظامٍ أراده الله، أو أفقه من منهجٍ خطّه بيده؟

العدل أساس الملك

إن دولةً تُقام على الشريعة هي الدولة التي تتساوى فيها الرقاب، فلا كبير فيها إلا العدل، ولا صغير فيها إلا الظلم. وهي الدولة التي يحكم فيها الحاكم بالكتاب والسنة، فيكون راعيًا لا راعيًا عليه، وخادمًا لرعيته لا سيدًا عليهم. وهل تظن أن العدل يُقاس بالأقوال؟ بل هو فعلٌ يتجلى في معاملة الضعيف قبل القوي، والغريب قبل القريب، والعاجز قبل القادر.

ألم تسمع عن عمر بن الخطاب، حين قال: “لو عثرت بغلةٌ في العراق، لسألني الله عنها، لِمَ لَمْ أُصلح لها الطريق؟” فكيف بمن يحكم الناس ولا يقيم لهم عدلًا، ولا يرفع عنهم مظلمة؟ أليست تلك البغلة خيرًا منه؟

الشريعة: بين الحق والإحسان

الشريعة ليست قانونًا جامدًا تُقيد به الأعناق، ولا سياطًا تُلهب بها ظهور الناس، بل هي روحٌ تسري في الأمة فتغرس فيها الإحسان قبل أن تطلب منها الإذعان. أليس الله قد قال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}؟ فالعدل ميزانٌ يُقاس به الحق، والإحسان زينةٌ تجعل من هذا الحق رحمةً تملأ القلوب.

فإذا رأيت دولةً تُقام فيها الحدود ولا يُراعى فيها الضعيف، فاعلم أنها قد أخذت بالشريعة قشورًا وضيعت لبابها. وإذا رأيت دولةً تُبسط فيها الرحمة، ولكن تُهمل فيها العدالة، فاعلم أنها قد زينت الباطل بالحرير، ولم تُقم الحق على قدمٍ وساق.

أهداف الشريعة: حياةٌ مطمئنة

إنما الشريعة غايتها أن تُحقق للبشر حياةً هانئة مطمئنة، حيث يعبدون الله لا يشركون به شيئًا، ويعيشون في أمنٍ لا يخافون فيه من ظلم الظالمين، ولا جوع الفاسدين. أليس الله قد قال: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ}؟ فالصلاة عبادةٌ، والزكاة عدالةٌ، والمعروف إحسانٌ، والمنكر فسادٌ.

وأي مجتمعٍ يُقام فيه هذا الرباعي: العبادة، والعدالة، والإحسان، ومحاربة الفساد، يكون مجتمعًا طيبًا كأرضٍ يُسقى زرعها بالمطر، فتُثمر خيرًا على أهلها ومن حولها.

فيا أيها المؤمن، إذا أردت دولةً تسود فيها الطمأنينة، فأقم بنيانها على الشريعة. وإذا أردت حاكمًا يرعى شعبه، فأمره أن يحكم بشرع الله. وإذا أردت أمةً تنتصر، فاجعل قانونها القرآن، وسُنَّتها هي السنة. عندها، سترى كيف يُبدل الله حال الأمة من خوفٍ إلى أمن، ومن ذلٍ إلى عزة، ومن ضعفٍ إلى تمكين. {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

الفصل الخامس: التمكين للمؤمنين – وعد الله يتحقق

أما بعد، فإن وعد الله حق، لا يُبطل صدقه مكذب، ولا يُزحزح ثباته متردد. وعدٌ قطعه على نفسه، وهو الغني عن خلقه، إذ قال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}، فجعل الاستخلاف مشروطًا بالإيمان والعمل الصالح، وكأنهما مفتاحان لباب التمكين.

حقيقة الوعد وأثره

إن وعد الله، يا أخي، ليس كوعود البشر التي يُخالطها الوهن، أو يُحيط بها العجز، بل هو وعدٌ قائمٌ على القدرة المطلقة والحكمة البالغة. فهو الذي يُغير الأحوال من حالٍ إلى حال، يرفع أقوامًا ويضع آخرين، يجعل من الضعيف قويًا، ومن المستضعف مُمكنًا. أليس هو القائل: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}؟ فانظر كيف جعل المستضعف إمامًا، وكيف بدل خوفه أمنًا.

شواهد من التاريخ

وإذا أردت أن ترى تحقق هذا الوعد، فانظر إلى أيام الخلفاء الراشدين، تلك الأيام التي أضاءت فيها الشريعة الطريق، وبُسط فيها العدل على الأنام. فإن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لما فتح الله على يديه البلاد، لم يكن همه أن يجمع الذهب والفضة، بل كان يسعى إلى إقامة القسط بين الناس. ألم يقف أمام ابنه عبد الله ليقول: “والله، لو علمت أن أحدًا أخذ درهمًا من بيت المال بغير حق، لجلدت ظهره!”

ثم انظر إلى عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، ذلك الرجل الذي أحيا سنة الخلافة على منهاج النبوة بعد أن كادت تذبل. لقد ساس الناس بالعدل حتى استغنت الرعية عن الزكاة، فلا تجد فقيرًا يقبلها، ولا مظلومًا يطلب الإنصاف، لأن العدل قد أغنى الجميع.

شروط التمكين

ولكن، يا أخي، لا يُمنح التمكين لمن يدعي الإيمان باللسان دون أن يترجمه إلى أفعال. فالإيمان وحده لا يكفي إن لم يقترن بالعمل الصالح. أرأيت الزرع إن سقيته ماءً مالحًا؟ أيرجى منه ثمرة؟ كذلك الإيمان إن اختلط بالهوى والرياء. وإن أردت التمكين، فعليك بصدق العبادة لله، وحُسن الالتزام بشريعته. فقد قال الله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ}.

أثر التمكين في حياة الأمة

إن التمكين ليس غايةً في ذاته، بل وسيلة لتحقيق مقاصد كبرى: إقامة العدل، ونشر الرحمة، وإحياء القيم. فانظر إلى الأرض حين تحكمها شريعة الله، كيف تتحول من أرضٍ يملؤها الخوف إلى أرضٍ يعمها الأمن، ومن أرضٍ يقتات فيها الناس على الظلم إلى أرضٍ تتوزع فيها الحقوق بالميزان.

وإن التمكين، إذا تحقق، كان رحمةً للبشرية جمعاء، لا للمسلمين فقط. ألم ترَ كيف عاش اليهود والنصارى في ظل الدولة الإسلامية وهم يتمتعون بحقوقهم الدينية والاجتماعية؟ أليس ذلك برهانًا على أن الشريعة جاءت للناس كافة؟

فيا أيها المؤمن، لا تظنن أن التمكين يأتي بالدعاء دون العمل، أو بالإيمان دون الإخلاص. بل هو جهادٌ مستمرٌ في العبادة، وجهادٌ في إصلاح النفس والمجتمع. فإذا رأيت الأمة قد صدقت مع ربها، فأبشر بتمكينٍ يحيي الأرض بعد مواتها، ويُعيد مجد الإسلام إلى مكانته التي أرادها الله له. {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

الفصل السادس: التحديات أمام بناء الدولة الإسلامية الجديدة

إن بناء دولة إسلامية على منهاج النبوة ليس كغرس شجرة في أرض خصبة، يأتيها الماء غدقًا، ولا كحصاد زرع قد بلغ أشده. بل هو مسارٌ مليءٌ بالعقبات، وحقلٌ يعج بالأشواك، وسبيلٌ تضيق فيه الأنفس، إلا أن صاحبه إذا صدق مع الله، كان له في العسر يسراً، وفي الشدة نصراً.

تحديات من الداخل

وأما العقبات التي تنبع من الداخل، فهي أشد على الأمة من ضربات العدو، وأعمق أثرًا في تمزيق صفوفها. فمن هذه العقبات اختلاف الفهم، الذي يفرق بين الإخوة، ويشوه صورة الوحدة التي بها تُقام الدول وتُصان الأوطان. أرأيتَ إلى القوم، كيف يتنازعون على فرعٍ صغيرٍ، وقد غفلوا عن أصلٍ كبير؟ كأنهم في سفينة تمخر عباب البحر، فينشغلون بموضع الجلوس بينما تتهددهم الرياح والأمواج.

ثم فتور العزيمة، وهو داءٌ يصيب النفوس إذا طال الطريق واشتد البلاء. فتراهم في البداية متحمسين، يرفعون الرايات، وينادون بالوحدة، فإذا أصابتهم شدة أو أبطأ عليهم النصر، خارت قواهم وتراجعت خطاهم. وما علموا أن النصر صبر ساعة، وأن العاقبة للمتقين.

تحديات من الخارج

وأما الأعداء، فهم يقفون بالمرصاد، يخشون عدل الإسلام، لأنه يُسقط عروشهم التي قامت على الظلم، ويهدم صروحهم التي بنيت على أكتاف المظلومين. فهم كالذئاب، لا يتركون قطيعًا إلا وهاجموه، ولا أمةً إلا حاولوا تفريقها. وقد علموا أن دولةً تقوم على الشريعة لن تكون لهم تابعًا، ولا لأهوائهم خادمًا، فصاروا يتآمرون عليها، ويستخدمون كل ما أوتوا من قوة، إعلامًا كان أو سلاحًا أو اقتصادًا.

الحلول

وإن أردنا التغلب على هذه التحديات، فلا بد لنا من الوحدة بين أبناء الأمة. فإنما الفرقة مصدر الضعف، والوحدة سبيل القوة. وإذا اجتمعت الكلمة على هدفٍ واحد، وصفا القصد لله، فلا قوة على الأرض تستطيع أن تقف في وجه هذه الأمة. وقد قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}.

ثم تأتي الإرادة الشعبية، التي إذا تضافرت مع القيادة الصالحة، كانت كالسيل الذي يجرف كل ما يعترض طريقه. وإن القيادة التي تتصف بالعدل والإخلاص قادرة على تحويل الشعوب من حالة الفتور إلى حالة العزم، ومن حالة اليأس إلى حالة الأمل. وقد قال عمر بن الخطاب: “إن الله لا يصلح عمل المفسدين”، فما بالك بعمل من جمع الإيمان مع العدل؟

الدروس المستفادة

فمن هذه التحديات، نتعلم أن بناء دولة إسلامية جديدة يحتاج إلى الإيمان قبل القوة، وإلى العزيمة قبل العدد. فلا ينصر الله أمةً تخلت عن شريعته، ولا يرفع شأن قومٍ تركوا العمل بما أنزل. وإذا صدق العبد مع ربه، وسار على نهج نبيه، فإن الله قد وعده بالنصر، إذ قال: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ}.

فيا أخي، إن بناء دولة إسلامية على منهاج النبوة ليس بالأمر الهين، ولكنه ليس بالمستحيل. وإن تحديات الداخل والخارج ليست إلا امتحانًا لصبر الأمة وصدقها. فإذا أخلصنا النية لله، وعملنا بجدٍ واجتهاد، فإن الله يفتح لنا الأبواب المغلقة، ويذلل لنا العقبات الصعبة. {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.

الفصل السابع: رؤية مستقبلية لسوريا الجديدة تحت حكم الشريعة

أما بعد، فإن سوريا الجديدة إنما تكون منارةً للإسلام، ومثابةً للعدل، ومأوىً للإحسان، إذا ما أُقيم بناؤها على أسسٍ ثابتة، كالبنيان الذي يشيد على صخرة لا تهزه الرياح، ولا تُزلزله العواصف. وإن أول ما يُشرع في إصلاحه، وأهم ما يُعنى به في تقويمه، هو أن يُستند الحكم إلى القيم الإسلامية التي تجعل العدل عماد الملك، وتجعل القوة في الحق، لا في الهوى.

وإن الحاكم في نظام الإسلام، ليس بملكٍ يتربع فوق عرشٍ لا يُسأل عما يفعل، ولا بسلطانٍ يملك رقاب العباد بلا حساب. بل هو أجيرٌ عند أمته، خادمٌ لرعيته، يسوسهم بالحق، ويقيم بينهم العدل، كما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: “لو عثرت بغلةٌ في العراق، لسألني الله عنها.” فالحاكم الصالح يرى نفسه مسؤولًا عن كل نفسٍ، صغيرها وكبيرها، ضعيفها وقويها، حتى البهائم التي لا تنطق.

ثم إن العلم والاقتصاد هما جناحا الحضارة، فلا يستقيم بنيانٌ بغير علمٍ يُنير الطريق، ولا يُشاد عمرانٌ بغير اقتصادٍ يضمن الكرامة. فالعلماء هم مصابيح الأمة، بهم تزدهر العقول، وبهم تتطور الصناعات. وأما الاقتصاد، فهو شريان الحياة، فإذا كان نظيفًا، جرت البركة بين الناس، كما تجري المياه في الأنهار، تنبت الزرع، وتثمر الخير. وإذا صلح الاقتصاد، أمِن الناس من الفقر، وإذا صلح التعليم، سلمت العقول من الجهل، وما الأمة إلا عقولٌ تُنير، وأيدٍ تبني.

فيا أخي، إن سوريا الجديدة، إذا ما قامت على هذه الأسس، كانت كما قال الشاعر:
“وأرضٌ قد بدت للعدل دارًا
تظلّلها القوانين القويمة.”

الفصل الثامن: خاتمة – سوريا الجديدة، أمل للأمة الإسلامية

أما بعد، فإن سوريا اليوم هي السراج الذي يُضيء في ظلام الفتن، والنجم الذي يهدي الحيارى في دياجير الليل. فهي أمل الأمة الإسلامية، ونبراسٌ يُذكّر المسلمين بأن وعد الله حق، وأن الخير في هذه الأمة لا ينقطع، ولو تكالبت عليها الأمم.

وإن على الأمة الإسلامية جميعها أن تلتف حول هذا المشروع، لا بالكلمات الجوفاء، ولا بالشعارات التي لا تُغني ولا تُسمن، ولكن بالأفعال التي تُعين على البناء، وتنصر المظلوم، وتُقيم العدل. فإنما العمل هو برهان الإيمان، والنية إذا خالطها الصدق، جعلت القليل كثيرًا، والضعيف قويًا.

فلنرفع أيدينا بالدعاء، فإن الدعاء سلاح المؤمن، ولنشد على أيدي إخواننا في الشام، فإنهم يحملون لواءً ثقيلًا، ويؤدون أمانةً عظيمة. وإذا ما تكاتفت الأمة، واجتمع شملها، فإن العدل سيعم، والحق سيظهر، والظلم سيزول. قال الله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ}.

فيا أهل الشام، اعلموا أنكم أمل الأمة، وأن نصركم هو نصرٌ لكل مسلم، فامضوا على بركة الله، ولتكن رايتكم هي راية الإسلام، تلك الراية التي لا تُكسر ولا تُنكَّس، لأن الله هو الذي رفعها، وهو الذي يحفظها.

فيا أيها المسلمون، إنما الأمة كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعت له سائر الأعضاء. فسوريا هي القلب الذي إذا نبض بالعدل، عمّ الخير في سائر الأوصال. فلتكن سوريا الجديدة نموذجًا للعدل، ورايةً للإسلام، وقدوةً للأجيال القادمة، والله غالبٌ على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *