سورة العصر: تدبرات في النجاة من الخسران الأبدي

الحمد لله العلي الأعلى، الذي خلق فسوَّى، وقدَّر فهدى. والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

القرآن الكريم، كتاب الله الخالد، أنزله الله تبياناً لكل شيء، وهدى ورحمة للعالمين. وهو النور الذي يضيء لنا دروب الحياة، ويبصرنا بالحقائق، ويخرجنا من الظلمات إلى النور. ومن عظيم فضله أن الله يسره للذكر، فينتفع به كل من تلاه وتدبره.

في هذه المقالة، سنتدبر سورة عظيمة، قصيرة في مبناها، عظيمة في معناها، إنها سورة العصر. سورة لو تدبرها الناس لكفتهم، فهي تجمع الدين كله، وتحوي من التذكير والموعظة ما فيه كفاية.

سورة العصر: نظرة في المقاصد والمعاني

يقول الله تعالى:

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}

القسم العظيم والخبر المخيف

أقسم الله تعالى في هذه السورة بالعصر، وهو الزمن، لتأكيد خبر عظيم، وهو أن جميع الناس في خسران. هذا الخبر مخيف، ولكنه يحمل في طياته بشارة عظيمة للناجين.

  • لماذا أقسم الله بالعصر؟ العصر هو الزمن الذي نعيشه، وهو وعاء أعمالنا، فكل لحظة تمضي هي فرصة للاستثمار أو للخسران.

صفات الناجين من الخسران

حددت السورة أربع صفات يتميز بها الناجون من الخسران:

  1. الإيمان: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. الإيمان هو الأساس الذي تبنى عليه جميع الأعمال.
  2. العمل الصالح: العمل الصالح هو العمل الخالص لوجه الله، الموافق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم. وهو ثمرة الإيمان الصادق. ويشمل:
    • إقامة الصلوات الخمس.
    • صوم شهر رمضان.
    • إيتاء الزكاة.
    • حج البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً.
  3. التواصي بالحق: التواصي بالحق هو أن يوصي كل مؤمن أخاه بالحق، ويذكره به، وينصحه. فالدين النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات المؤمنين.
  4. التواصي بالصبر: التواصي بالصبر هو أن يوصي كل مؤمن أخاه بالصبر على الطاعات، وعن المعاصي، وعلى أقدار الله المؤلمة. والصبر ثلاثة أنواع:
    • الصبر على الطاعات: فالطاعات تحتاج إلى مجاهدة النفس وحملها عليها.
    • الصبر عن المعاصي: فالنفس أمارة بالسوء، وتحتاج إلى كبح جماحها.
    • الصبر على أقدار الله المؤلمة: فالدنيا دار ابتلاء وامتحان، والصبر هو سلاح المؤمن.

الدين كله في أربع صفات

هذه الصفات الأربع تجمع الدين كله، ففيها العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق. فمن حقق هذه الصفات فقد فاز بالنجاة من الخسران، وحقق السعادة في الدنيا والآخرة.

القرآن الكريم: نور وهداية

القرآن الكريم هو كلام الله، وهو النور الذي يهدينا إلى الحق، ويخرجنا من الظلمات إلى النور. وهو الشفاء لما في الصدور، والهداية والرحمة للمؤمنين.

فضائل القرآن الكريم

  • تبيان لكل شيء: القرآن الكريم فيه بيان لكل ما نحتاج إليه في ديننا ودنيانا.
  • هدى للتي هي أقوم: القرآن الكريم يهدينا إلى أفضل الطرق وأقومها في جميع أمورنا.
  • حجة لنا أو علينا: القرآن الكريم يشهد لنا يوم القيامة إن عملنا به، ويشهد علينا إن أعرضنا عنه.
  • ذكر للعالمين: القرآن الكريم شرف لنا، وسوف نسأل عنه يوم القيامة.

واجبنا تجاه القرآن الكريم

  • تعلمه وتعليمه: يجب علينا أن نتعلم القرآن الكريم ونتعلمه لغيرنا.
  • تلاوته وتدبره: يجب علينا أن نتلو القرآن الكريم ونتدبر معانيه.
  • اتباعه والتحاكم إليه: يجب علينا أن نتبع أوامر القرآن الكريم ونجتنب نواهيه، وأن نتحاكم إليه في جميع أمورنا.

الخاتمة

أيها المسلمون، القرآن الكريم عظيم القدر، كريم الصفات، واسع المعاني والهدايات. فلنتدبر آياته، ونعمل بأحكامه، ونتخلق بأخلاقه، لنفوز بالسعادة في الدنيا والآخرة.

نسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته. وأن يرزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار. وأن يجعلنا من الناجين من الخسران، الفائزين برضوان الله وجنته.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المصدر: موقع طريق الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *